عكس ما قد يعتقده البعض، استشهاد يحيى السنوار لا يصب بالضرورة في صالح الاحتلال لعدة اعتبارات.
كان نتنياهو يتمنى أن يتم تحييد قائد حركة حماس، عبر عملية دقيقة، وعقب عمل استخباراتي، فيخرج في تصريح على الهواء مباشرة، يؤكد فيه أن تمديد زمن الحرب وتعطيل أي صفقة كان من أجل هذه اللحظة التاريخية.
لكن استشهاد أبو إبراهيم، جاء صدفة وعلى يد جنود سلاح المشاة، وليس حتى من طرف عناصر النخبة، فجيش الاحتلال استطاع أن يصل إلى حسن نصر الله بسهولة، وانتظر ضربة حظ بعد أكثر من عام عن بداية عدوانه الهمجي على قطاع غزة، ليتخلص من كابوس السنوار.
كما أن رحيله فوق الأرض متنقلا بين أنقاض مباني حي تل السلطان بمدينة رفح، وجه ضربة لروايات الدعاية الصهيونية التي ظلت تقول إنه يختبئ في الأنفاق محاطا بالأسرى كدروع بشرية.
فاستشهاد رئيس حركة حماس وسلاحه بيده، عزز من هيبته وأظهره في ثوب القائد الشامخ الواقف في الصفوف الأولى في ساحة القتال. بل إن بعض المحللين اعتبروا أن أكثر شخص حزنا على رحيل السنوار، هو نتنياهو نفسه، لأن رحيل رمز المقاومة في غزة يسحب منه أحد أهم مبررات مواصلة العدوان، وهو القضاء على قائد حركة حماس، والقضاء عليه يعني القضاء على الحركة، حسبه.
وفي نفس السياق، رحيل يحيى السنوار عن المشهد سيزيد من ضغط عائلات الأسرى للمضي قدما لإبرام صفقة تبادل الأسرى، فلم ينتظر زعيم المعارضة، يائير لابيد، طويلا للذهاب في هذا الاتجاه، فلحظات فقط بعد صدور البيان المشترك لجيش الاحتلال والشاباك (جهاز الاستخبارات العسكري)، عن احتمال “تصفية” السنوار، ليقول “يجب اغتنام الفرصة للتحرك بشكل حاسم في ما يتعلق بالمختطفين”.
وسيصعب على نتنياهو إيجاد مبررات لمواصلة عدوانه على قطاع غزة، ورفض إعادة بعث مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
فنقل موقع “بوليتيكو” الأمريكي عن مسؤولين في إدارة بايدن قولهم إن: “مقتل السنوار سيمنح زخما للداعين داخل إسرائيل لخفض التصعيد”.
حتى بلينكن، كاتب الدولة الأمريكي، كانت أولى كلماته بعد إعلان استشهاد السنوار، حول إعادة بعث المفاوضات لتحرير الأسرى ووقف إطلاق النار.
من جهته، يوآف غالانت، شريك نتنياهو في الإبادة ووزير دفاعه، سار في نفس الاتجاه، حين قال لكاتب الدولة الأمريكي، لويد أوستين، عندما هاتفه، أمس، لإعلامه بقتل السنوار: “إن مقتل زعيم حركة حماس يحيى السنوار حدث استراتيجي سيغير قواعد اللعبة”.
وتبقى الورقة الوحيدة بيد نتنياهو، هي شن هجوم على إيران، ردا على قصف طهران الأخير، ما سيمكنه من ربح الوقت بتحويل الأنظار مجددا إلى جبهة أخرى، بعد أن عاد الاهتمام، منذ أمس، إلى غزة.
الأوراق اختلطت، ولم يتضح ما ستؤول إليه الأمور، إلا على المقاومة، التي في نعيها لرئيسها، أعلنت تمسكها بمواقفها لوقف العدوان، وهي الشروط نفسها المعلن عنها من طرف السنوار، قبل أن يرتقي مخلفا وراءه إرثا نضاليا سيخلده التاريخ.