أعلن الاتحاد الدولي لكرة “فيفا”، الخميس (29 آذار/مارس)، سحب تنظيم بطولة كأس العالم للشباب من إندونيسيا، ومن الممكن أيضاً وضع عقوبات محتملة عليها، بعد أن شهدت البلاد رفضاً شعبياً وسياسياً واسعاً لمشاركة منتخب الاحتلال الإسرائيلي في البطولة.
وحصل جدل كبير في الأسابيع الماضية حول مشاركة الاحتلال الإسرائيلي في البطولة التي كان من المفترض أن تستضيفها إندويسنيا، إذ يدرك الاحتلال أهمية الرياضة في العملية الدبلوماسية، وفي طريق البحث عن تسويق صورة “الأمة” Nation Brand Image، كما يعلم بضرورة قبوله في المنافسات الرياضية لإظهار تقبله في المجتمعات في وجه رفض مجتمعات الاعتراف به، لكن الجدران العالية والدروع لتحصين المجتمعات منه ما زالت مرفوعة، كما يحدث في إندونيسيا حالياً.
وفي الوقت الذي سارع فيه البعض إلى تطبيع العلاقات مع الاحتلال، وفتحوا أبواب الرياضة والترحيب بالإسرائيليين، لأنهم يعلمون بأن الرياضة في صلب استراتيجية “إسرائيل” التسويقية لصورتها، لم يغب رفض الاحتلال ورفض التطبيع الرياضي.
ففي كل بطولة نجد أمثال البطل الجزائري فتحي نورين والبطل السوداني محمد عبد الرسول يرفعون لواء فلسطين. وفي الوقت الذي تتأكّل “إسرائيل” من الداخل، تجد نفسها مع كل محفل دولي مرفوضة وغير مرحَّب بها، كما فعل الإندونيسيون قبل انطلاق بطولة العالم للشباب تحت 20 عاماً، في أيار/مايو المقبل، مما أدى إلى خسارتهم تنظيم البطولة، واحتمال فرض عقوبات رياضية عليهم.
كان من المفترض أن تستضيف إندونيسيا بطولة العالم للشباب تحت 20 عاماً بين 20 أيار/مايو و11 حزيران/يونيو المقبلين، لكن يبدو أن الأمور تغيرت، بعد المشهد الذي شهده البلد الآسيوي، والذي يُعَدّ أكبر بلد إسلامي في العالم، إذ بدأت عاصفة من التظاهرات والحملات الرافضة لحضور منتخب الاحتلال، الذي تأهل للبطولة.
إندونيسيا.. بين الحق والباطل
أدركت الحكومة الإندونيسية صعوبة ما حدث، إذ وجدت نفسها أمام معارضة شعبية ومعارضة سياسية لمشاركة الاحتلال الإسرائيلي في البطولة، وخصوصاً أنها سعت جاهدة لكسب استضافة البطولة العالمية، بحثاً عن فرصة في فتح أبوابها أمام الساحة الرياضية الدولية، لكن تأهل منتخب الاحتلال أوقعها في مواجهة صعبة وحادة.
في الأسابيع الماضية شهدت العاصمة جاكرتا احتجاجات واسعة، شارك فيها، على سبيل المثال، حراك “الثاني من ديسمبر” المعارض، وهدد بأنه سيمنع دخول الفريق الإسرائيلي من مطارات البلاد، وكان أوّل الاحتجاجات نُظّم من جانب قوى شعبية وطلابية في مدينة صولو وسط جزيرة جاوا الإندونيسية.
توسعت دائرة الرفض، وظهرت شخصيات سياسية ترفع صوتها وتقول إن “إسرائيل غير مرحب بها”. وبين الرافضين حاكم جزيرة بالي السياحية، وايان كوستر، الذي قال في الخطاب المرسل إلى وزارة الرياضة، والموّقع في 14 آذار/مارس الجاري، إن “سياسات إسرائيل تجاه فلسطين تتعارض مع سياسات جمهورية إندونيسيا”، والتي وصفها بأنها “مشكلة خطيرة في السياسة الإقليمية”.
ما كان مفاجئاً للحكومة هو الرفض القادم من بالي، التي اختيرت لتكون مقراً لقرعة البطولة، كما اختيرت أيضاً لتكون مقراً لمنتخب الاحتلال، نظراً إلى أن أغلبيتها من الهندوس، لكن الموقف في بالي يؤكد أن قضية فلسطين ليست للمسلمين والمسيحيين فقط، وإنما هي قضية الأحرار بمعزل عن الأديان التي يتبعونها.
كما رفعت صوتها أحزاب أخرى، من الحزب الحاكم، “حزب النضال من أجل الديموقراطية”، الذي طالب بإعلام الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” بأن الحضور الإسرائيلي يتنافى مع الموقف السياسي والموقف الشعبي للجمهورية الإندونيسية.
الجمعية المحمدية ومجلس العلماء
وصل الرفض إلى أكبر مؤسسات المجتمع المدني في إندونيسيا، وهي الجمعية المحمدية، التي دعت الحكومة إلى عدم التقليل من شأن هذا الأمر، نظراً إلى أنه رياضي، وضرورة المحافظة على الانسجام بين كرة القدم وسياسات الدولة.
وتوحد الموقف بالنسبة إلى “المجلس الاستشاري لمجلس العلماء”، إذ قال نائب رئيس المجلس، محيي الدين جنيدي، إن استضافة “إسرائيل” يشكل منعطفاً حساساً بالنسبة إلى الشعب.
إلغاء قرعة بطولة كأس العالم للشباب في إندونيسيا
هذه الموجة الغاضبة ضد الاحتلال الإسرائيلي، دفعت “الفيفا” إلى تأجيل القرعة، التي كان من المفترض أن تقام الجمعة، 31 آذار/مارس الجاري، كما أعلن “فيفا” سحب تنظيم البطولة من البلد الآسيوي وأشار إلى أنه سيبحث عن بديل.
وقال عضو المجلس التنفيذي في الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم، أريا سينولينغا، إن سبب الإلغاء هو عدم مشاركة الجانب الإسرائيلي في القرعة، بينما تفرض لائحة “الفيفا” تمثيل جميع الفرق المتأهلة لنهائيات المنافسات، بينما لم يُحدَّد موعد جديد أو مكان آخر لإجراء القرعة.
وأضاف سينولينغا إن إندونيسيا ستحل الموقف من دون أن تتعرض لعقوبات، قد “تُنبذ” في إثرها من الساحة الرياضية العالمية، مؤكداً أن مصير البطولة غير واضح، مستبعداً خيار لعب منتخب الاحتلال مبارياته في بلد مجاور، لأن إندونيسيا لم تتقدم بملف مشترك لاستضافة البطولة، وهذا ما حدث فعلاً، إرادة الشعب انتصرت لفلسطين في وجه الاحتلال الذي لن يلعب في إندونيسيا.
إندونيسيا.. “إسرائيل” مرفوضة في القانون
وأوضح نائب رئيس مجلس الشعب الاستشاري، هدايت نور، أن رفض “إسرائيل” في إندونيسيا مسألة قانونية ودستورية، وهناك حظر للتطبيع، في كل أشكاله، إذ أصدرت وزارة الخارجية الإندونيسية، في 8 شباط/فبراير 2019، قراراً لتنظيم العلاقات الخارجية والتعاون الدولي للحكومات المحلية المنتخبة في المحافظات والأقاليم والمدن الإندونيسية.
ونصت المادة الـ150 من القرار على أنه “لا علاقة لإندونيسيا بإسرائيل، التي تُعَدّ محتلة لفلسطين. ولهذا السبب، فإن إندونيسيا ترفض كل أشكال العلاقة بها”. ويأتي في القرار أيضاً أنه لا يُسمح بأي خطابات رسمية بين الطرفين، ولا يمكن استقبال أي وفد إسرائيلي، في أي شكل أو في أي مكان رسمي، كما لا يُسمح برفع “علَم” الاحتلال أو أي شعار يخصه، ولا يؤدّى “نشيد” الاحتلال في الأراضي الإندونيسية.
هذا الموقف الرسمي يشبه مواقف رسمية أخرى في تاريخ إندونيسيا. فمثلاً، في عام 1958، رفض الرئيس السابق أحمد سوكارنو مواجهة منتخب بلاده لمنتخب الاحتلال في تصفيات كأس العالم، ولم يدعُ الفريق الإسرائيلي إلى دورة الألعاب الآسيوية في عام 1962 في جاكرتا.
أدركت الحكومة الإندونيسية صعوبة موقفها، وخصوصاً أن مصير البطولات بات ضبابياً بمجرد رفض مشاركة الاحتلال الإسرائيلي، ليُسحب منها التنظيم، لكن فيما يخص القضية، فإن الإرادة الشعبية والسياسية في إندونيسيا رفعت لواء الحق وصوت فلسطين.