برايات العراق ورايات أخرى دينية، أحيا ملايين العراقيين ذكرى استشهاد سبط النبي محمد (ص) الإمام الحسين(ع) في أرض كربلاء المقدسة، هذه الذكرى المؤلمة والتي تجسد حقيقة انتصار الدم على السيف ذكرى تكشف حقد أعداء الإنسانية، الذين هتكوا حرمة آل بيت الرسول الأكرم (ص)، ولم يحترموا مكانتهم عند الخالق عز وجل، فهذه الجريمة الكبرى مثلت معنى المظلومية، وكشفت أصحاب المطامع والمناصب الذين باعوا كل مبادئهم وعقيدتهم وضميرهم مقابل المال والتسلط.
أيام قليلة وتبدأ الحشود المليونية من كل أنحاء العراق والدول المجاورة بالزحف اتجاه مدينة كربلاء، حباً وعشقاً بشهيد الحق وناصر دين الإسلام ومنقذ البشرية من الضياع، فثورة كربلاء لم تكن حرباً أو صراعاً بين جيشين، وإنما كانت غربلة لجميع المسلمين واختبارهم، وكانت ثورة الدفاع عن المظلومين والوقوف بوجه الظالم والساعين لهدم جسور الدين الحنيف.
المسيرة نحو كربلاء تخص كل مسلم ومحب لأهل البيت (ع) ولكل من يرفض الظلم والغطرسة، لكل من يمشي على خط المقاومة والدفاع عن حقوق الناس، ويواجه الاستيطان واغتصاب حقوق الآخرين، مسيرة كربلاء هي شعيرة من شعائر الله، فهي وسيلة للتقرب إلى الله عز وجل، علينا أن نحترم هذه الشعيرة التي تحترم الإنسانية.
كل الطوائف والمذاهب الإسلامية تهتم بهذا اليوم المقدس، لما له من مكانة معنوية ترفع شأن الإنسان، لأنها تجدد حقيقته والمبادئ التي خلق عليها، فهذه القيم تتناغم مع رسالة الإمام الحسين(ع)، التي حاول أن يوصلها إلى هذه الأجيال والأجيال القادمة، لإحياء الحق ونبذ الظلم والعنصرية والتجبر، ومواجهة الفساد الذي يهدم أحلام الأمة الإسلامية والعالم.
الملايين القادمين سيراً على الأقدام من بغداد والمحافظات وبعض الدول العربية والإسلامية، أرادوا أن يبعثوا برسالة إلى حكومات الأرض الظالمة، والدول المستكبرة والمحتلة، وإلى من يطبع مع قاتل الأطفال في فلسطين وسارق أحلامهم، بأن كلمة الحق تعلوا ولا يعلا عليها، أن المظلومية مهما طالت ستتحول إلى انتصار عظيم، فما نراه في فلسطين واليمن وفي كل دول يتعرض شعبها للظلم والطغيان، هو بسبب تفكك الشعوب وتمزق كلمتها، ما جعل أعداء الإنسانية والإسلام يتآمروا على الشعوب المستضعفة، ونهب خيراتهم واستعمار أراضيهم.
ذكرى أربعين سيد الشهداء هي ذكرى الصحوة الإنسانية والشعور بالمسؤولية تجاه المسلمين في العالم وتجاه كل شعب مظلوم، فانتصار الإمام الحسين (ع) قلب موازين كل امبراطورية أرادت التحكم والتآمر، علم كل مقاوم في العالم الوقوف بوجه الظلم ونصرة الآخرين.