اعتبر المحلل الرياضي محسن الشركي، أن كرة القدم والرياضة عموما ليست قطاعا استراتيجيا في المغرب منذ الاستقلال وإلى اليوم، بقدر ما ما هو قطاع حيوي جماهيري يمثل ما أسماه بـ”أكبر حزب في المغرب”.
وأوضح الشركي أن هذا الحزب وهو “الحزب الرياضي الذي ليست له تراتبية واضحة، لكنه يضم تطلعات وجماهير واسعة وشرائح اجتماعية ونخبا، دون أن يرقى إلى مستوى التنظيم، وبالتالي كان يشكل دائما هاجسا للدولة وظل غائبا عن سياساتها الاستراتيجية”.
واعتبر الشركي أن الرياضة بالمغرب ليست قطاعا استراتيجيا بالنظر إلى أنه “يهدر المال العام وليست له مصادر تمويل واضحة، كما لا يساهم في الاقتصاد الوطني وفي الناتج الداخلي الخام، وهو ما يجعله يشكل عبئا على الحكومة وعلى المجالس المنتخبة وعلى المال العام”، وفق تعبيره.
جاء ذلك خلال مناظرة رياضية بعنوان “فريق المغرب التطواني: تاريخ، تسيير وتدبير، رهانات”، نظمته جمعية “اللاعبين السابقين للمغرب أتلتيك تطوان”، بحر الأسبوع الجاري بالحمامة البيضاء، بمشاركة فاعلين رياضيين من ضمنهم المؤرخ الرياضي الزبير بالأمين، والرئيس السابق للمغرب التطواني محمد أشرف أبرون.
ومقارنة مع التجارب المحترفة، قال المتحدث إن الرياضة بإسبانيا تساهم بـ%3.3 من الناتج الخام الداخلي، %1.37 منها لكرة القدم، والتي تُحدث سنويا 400 ألف منصب شغل، 200 ألف منها هي مناصب مباشرة، وهو ما يعادل كل مناصب الشغل بالمغرب في سنتين.
وأشار المحلل الرياضي خلال مداخلته إلى أن كرة القديم في إسبانيا تساهم أيضا بأزيد من 15 ألف مليون يورو سنويا، فيما تشكل الرياضة في فرنسا ما نسبته 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
ويرى الشركي بأن الدليل على كون الرياضة ليست قطاعا استراتيجيا بالمغرب، هو أن أهم وثيقة استراتيجية أنجرت مؤخرا، وهي النموذج التنموي الجديد، لا تتضمن أي ورقة حول الرياضة، ما عدا بعض المقترحات والمداخلات عبر الإنترنيت التي كانت تساهم في إغناء النقاش.
وشدد على أنه لا حديث عن الرياضة في المغرب إلا عن باب البنيات التحية، مقرا بأن المملكة قطعت أشواطا كثيرة في هذا الورش منذ المناظرة الوطنية الأولى بالصخيرات سنة 2008، ثم المناظرة الثانية التي طالب فيها الملك المتناظرين بوضع استراتيجية وطنية للرياضة، “ولا زلنا ننتظرها إلى اليوم”، حسب قوله.
ولفت المتحدث إلى أن الرسالة الملكية التي وجهها الملك محمد السادس في تلك المناظرة، رصدت مجموعة من الاختلالات، كان أبرزها “الارتزاق والاغتناء الشخصي والفساد وغياب الديمقراطية والحكامة في قطاع الرياضة، وغياب مصادر التمويل وضعف التكوين، ثم عدم ملاءمة القوانين المغربية مع القوانين الدولية للفيفا”.
واعتبر أن المغرب نجح في ورش البنية التحية لكنه لم ينجح في باقي الأوراش التي وردت في الرسالة الملكية في مناظرة الصخيرات، لافتا إلى أن المغرب لا زال في مرحلة “ما قبل الاحتراف”، وهي بحسب رأيه، مرحلة انتقالية طالت كثيرا مثلها مثل قطاعات أخرى.
وفي هذا الصدد، سجل الفاعل الرياضي ما أسماه “تخبط قطاع الرياضة في السياسات الحكومية المتعاقبة، والدليل أن كل حكومة تضع الرياضة ضمن قطاع معين، فبعدما أُدمجت مع قطاع الشباب، أضيفت إليها لاحقا الثقافة، والآن تم وضعها مع قطاع التعليم الذي يعيش أزمة ويحتاج إلى مزيد من الإنفاق”، وفق تعبيره.
وخلص إلى أن المغرب فشل في مشروع احتراف الكرة لأنه استمر طويلا في الهواية، مضيفا: “طرحنا مشروعا طموحا في الثمانينات، هو مشروع الاحتضان الذي كان يهدف إلى ربط بعض الفرق بمقاولات وشركات مثل جمعية الحليب والفوسفاط”.
وتابع: “ثم انتقلنا إلى تأهيل الكرة المغربية التي صادفت ظاهرة الحاج عبد المالك أبرون بتطوان، حيث صعد الفريق 2005 للقسم الأول، وهو نفس التاريخ الذي أقر فيه الوزير الأول حينها إدريس جطو، مشروع تأهيل الكرة بميزانية بلغت 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، بالنظر إلى أن المغرب كان يطمح لاحتضان كأس العالم”.
وأشار إلى أن ما أسماها بـ”ظاهرة أبرون” بتطوان كان لها دور بارز في تأهيل البنيات التحتية الرياضية بالمدينة وخلق شراكات للفريق التطواني وتسويقه الإعلامي حتى أصبحت علامة المغرب التطواني عابرة للقارات، حسب قوله.
وفي هذا الإطار، يقول الشركي، إن المغرب التطواني أصبح ضمن الفرق الأربعة الأوائل من حيث ضخامة الميزانية، خاصة أنه انتدب أحسن المدربين (13 مدربا كان لهم صيت وطني)، واستقطب أجود اللاعبين، ليتمكن من الظفر بلقبين للبطولة الاحترافية والمشاركة في كأس العالم للأندية وعصبة الأبطال الإفريقية، قبل أن يدخل في انتكاسة ويهبط للقسم الثاني.
المصدر وكالة العمق الرياضي