لقد لعبت الرياضة وكرة القدم على الخصوص، دورا بارزا إبان الحركة الوطنية خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب. ولم تكن الغاية من تأسيس فريق رياضي الفوز بلقب أو كأس، بل كانت الغاية أنبل من هذا وذاك. وكان الالتقاء بالفرق الأخرى، يسهل تنسيق عمل الحركة الوطنية عبر التراب الوطني .
من هنا، يتضح لنا مدى الدور الذي لعبته كرة القدم في الحركة الوطنية، إبان الفترات الحالكة التي عاشها المغرب تحت وطأة الاستعمار الفرنسي.
كرة القدم صداع في رأس المستعمر
لم يظن الفرنسيون بأن الرياضة الحديثة، التي أنشأوا قواعدها في المغرب، ستشكل حاضنة قوية للنضال والمقاومة ضد استعمارهم، وستسهم بقسط وافر في إجلائهم من البلد. والحال أن أغلب، إن لم نقل كل الفرق الرياضية التي أنشئت بالمغرب كان وراءها رجال ينتمون إلى النخبة المثقفة، وبالتالي النخبة المناضلة.
فمنذ بداية الحماية أصبحت كرة القدم وسيلة للاستيعاب والتحشيد، وخلال فترة الـ30، التي رأت بزوغ الحركة الوطنية المغربية، أصبحت كرة القدم سلاحًا فعّالًا للحفاظ الهوية الوطنية والثقافية، وبدأ ذلك بظهور أندية تتخذ ألقابها مباشرة من المرجعية الوطنية: المغرب الرباطي سنة 1930 والمغرب البيضاوي سنة 1938، وبذلك أصبحت كرة القدم جزءًا لا يتجزأ من اللعبة السياسية التي بدأت تتعارض فيها الحركة الوطنية مع السلطة الاحتلال الفرنسي.
ولئن كانت مدن المغرب الكبرى، حيث تركز الوجود الفرنسي بقوة، قد شهدت نشأة أولى الفرق الرياضية، وبخاصة فرق كرة القدم، بالنظر إلى شعبيتها، حينها عبر العالم، فإن أبرز الفرق كانت تلك التي أسسست بمدينة الدار البيضاء، وصار لها شأن كبير في كل المنافسات الرسمية، وأبرزها فريق الوداد الرياضي؛ الذي أنشأه كل من محمد بنجلون التويمي ومحمد بلحسن العفاني (الشهير بالأب جيكو).
فقد تحول هذا الفريق، حسب ما يرويه كثير من المهتمين، إلى معضلة بالنسبة إلى الفرنسيين، خاصة أنه كان يفوز بالألقاب، ويلقى الترحاب في ملاعب منافسيه، بحيث تجده مرحبا به في ملعب مدينة أخرى غير الدار البيضاء، فقط لأنه يمثل، في الوعي الجمعي للمغاربة، أمة بأكملها تتوق إلى التحرر، في حين يمثل الفريق الذي يستقبله، بعناصره الفرنسية والأجنبية، صورة للمحتل.
وفي أول رحلة للوداد منذ تأسيسه إلى الجزائر لمنازلة أحد الأندية هناك، حمل اللاعبان بوشعيب خالي وعبد القادر جلال مناشير وطنية من المغرب إلى الجزائريين، وفي أحداث 1953 حينما انتفض الشعب المغربي في وجه الاستعمار، تعرض أحد مسيري الوداد للاعتقال، كما أصيب اللاعب عبد النبي المسطاطي وولد عائشة العفاري بطلقات نارية من بنادق المستعمرين خلال زيارة بعثة من أمريكا اللاتينية إلى المغرب لتقصي الحقائق بعد نفي السلطان محمد الخامس.
وبينما حاول الفرنسيون جهدهم إدماج بعض اللاعبين والرياضيين المغاربة في النسيج الرياضي الفرنسي، مثلما حدث مع العربي بنمبارك وعبد الرحمن بلمحجوب وسالم دندون وإبراهيم طاطوم، وغيرهم، من النجوم الذين لعبوا إما لفرق فرنسية أو حملوا قميص المنتخب الوطني الفرنسي؛ مثل بنمبارك وبلمحجوب، فإن ذلك لم ينجح، بحيث ظل التشبث بالوطن متمكنا، حتى شاهد المغاربة
بنمبارك أول ناخب وطني بعد الاستقلال، وبلمحجوب مدربا للوداد، وعبد السلام الراضي وباكير بنعيسى يمثلان وطنهما في الألعاب الأولمبية لروما سنة 1960
كرة القدم ولدت مقاومة
لقد لعبت الرياضة وكرة القدم على الخصوص، دورا بارزا إبان الحركة الوطنية خلال فترة الاحتلال الفرنسي للمغرب.حيث كان طبيعيا جدا أن يهدف الوطنيون من خلال كرة القدم إلى توعية الشباب؛ وهم الرياضيون في هذه الحالة، بضرورة الانخراط في المجهود الوطني من أجل التحرر. ويكفي أن نعرف بأن المؤسسين الفعليين للعصبة الوطنية الحرة لكرة القدم، التي جاءت ردة فعل قوية على الجامعة الفرنسية لكرة القدم؛ صاحبة البطولة الرسمية حينها، هم أحمد اليزيدي وعبد السلام بناني وعبد الرحمن اليوسفي، وكلهم أصحاب سبق في النضال والمقاومة
فالفعل الرياضي المغربي ولد مناضلا، بسبب الظرفية التي جاء فيها إلى الوجود، وبفعل الغبن الذي لقيه من المستعمر ففي تلك الأوقات العصيبة، حيث كان المغرب يطمح إلى التحرر من الحماية ليحلق بجناحيه الأصليين، قدمت الرياضة منصة هائلة للتعبير عن المطالب الوطنية… فلم تنفع العراقيل، ولا الشكليات التي وجدت لتحد من ضم مغاربة الطبقات الشعبية إلى المنظمات الرياضية. ولا الأجهزة الأمنية الرهيبة، الموضوعة في الملاعب الرياضية من توقيف مسيرة شعب بأكمله لنيل الحرية و الإستقلال
المصدر منارة