برؤية واضحة وأهداف مسطّرة، استطاع الشاب المغربي ابن مدينة القنيطرة عز الدين لامين (33 عاما) أن يتسلق 100 قمة جبلية في المغرب.
عز الدين لامين الذي كان يشتغل بالترويض الطبي (العلاج الطبيعي) لم يكن يعلم أن صعود قمة توبقال (أعلى قمة بشمال أفريقيا) سنة 2014 في رحلة عادية، سيحوّل مساره المهني واهتمامه، وسيجعل منه مرافقا سياحيا ثم مرشدا ثم متخصصا في المسارات الطبيعية، ثم يخلص لمنظم رحلات خاصة بالرياضات الجبلية بمختلف أنواعها.
تحدي 100 قمة
يقول عز الدين للجزيرة نت “قمة توبقال شكلت نقطة تحول في رؤيتي لحياتي”. وقد طور عز الدين عمله وشغفه بالجبال لتعاونية خاصة برياضة الجبل، ما جعله يصعد القمم حوالي 236 مرة، منها أكثر من 23 مرة لتوبقال.
خلال سنة 2021 كان رصيد عز الدين من القمم الجبلية قد بلغ 46 قمة، فرفع تحدي إتمام 100 قبل نهاية العام (8 قمم بالأطلس المتوسط، و6 بالأطلس الصغير، وقمة بني يزناسن، و14 بسلسلة جبال الريف، و21 بمركز سلسلة الأطلس الكبير، و7 بشرق الأطلس الكبير، و43 بغرب الأطلس الكبير).
وبتمويل ذاتي وحب المغامرة، جعل عز الدين من قمم ذات مستوى صعوبة وبعيدة عن بعضها وغير معروفة ومختلفة في طبيعتها هدفا لتحديه.
الرياضات الجبلية
تشمل الرياضات الجبلية في المغرب التسلق الطبيعي في الجبال، واللحاق الجبلي “تراي”، والمشي بالجبال في مسارات محددة، والدراجات الجبلية، والاستغوار، والكانيونينغ (النزول مع مسار الشلال بالحبال)، والقفز بالشراع من المرتفعات، والرياضات الثلجية.
ومختلف هذه الألعاب والرياضات تحتاج إلى معدات خاصة وتدريب، وتعتبر رياضة مخاطر ومغامرة، تحتاج الحذر وإدارة المخاطر (سوء الأحوال الجوية، التدفقات الطينية، انهيار الصخور، الانهيارات الجليدية، صعوبة ولوج الإسعافات…).
وتعود بدايات رياضات الجبل بالمغرب للمرحلة الاستعمارية. وتأسست الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضات الجبل سنة 1959.
ووفق الجامعة يوجد بالمغرب حوالي 1200 رياضي متخصص مؤهل للمشاركة في مسابقات وتظاهرات رياضة الجبل (بدون احتساب الهواة). وعلى المستوى التشريعي، هناك اشتغال على مشروع قانون الجبل لتأطير التنمية داخل المناطق الجبلية.
الدراجات الجبلية
يعتبر ركوب الدراجات الجبلية في المناطق ذات التضاريس الوعرة تجربة مثيرة للباحثين عن المغامرة والتحدي كونها تمارس على الطرق الوعرة، وهي أنواع يزاول منها بالمغرب نزول المنحدر، واختراق الضاحية الأولمبي، واختراق الضاحية ماراتون، والسباقات الإقصائية، والسباقات القصيرة، والسباق بالتناوب بجميع الفئات.
ويوجد بالمغرب 13 ناديا مصنف للدراجات الجبلية التي تَمد الفرق الوطنية بالدراجين المؤهلين (في إطار الجمعية المغربية للدراجات الجبلية التي أحدثت في 2003) وتتوزع الأندية حسب الجهات وطبيعة التضاريس. ويحتل المغرب الصدارة في الدول العربية في هذه الرياضة، حيث حقق نتائج مهمة في آخر مشاركة له في البطولة العربية التي أجريت بمصر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويقول عبد الرحيم الرياضي مدرب المنتخبات الوطنية للدراجة الجبلية والمكلف بالتدريب في الدراجات الجبلية للمدربين والحكام، للجزيرة نت إن الدراجة تعتبر أحسن طريقة للاكتشاف، وينصح السياح والهواة ومحبي الدراجة الجبلية بضرورة اللجوء لذوي الاختصاص، مشيرا إلى أن العرض المغربي يوفر كل المعدات والمرافقة التقنية والإرشاد.
وشدد المدرب على ضرورة اختيار المسار، وترك الرياضي للمعطيات المتعلقة به واصطحاب هاتف. ودعا الذين يريدون ممارسة هذه الرياضة للانخراط في الأندية والحصول على رخص لما توفره من تأمين وإمكانية المشاركة في الفعاليات.
رياضة التزلج
توجد بالمغرب سلاسل جبلية متنوعة، وتعرف الكثير من مناطقه تساقطات ثلجية مهمة. ووفق هشام إيت وارشيخ رئيس الجامعة الملكية المغربية للتزحلق ورياضات الجبل، كانت رياضة الجبل وتحديدا التسلق والتزحلق على الجليد تعرف ازدهارا، حيث كان المغرب يتوفر على 3 محطات بمواصفات عالية.
واستدرك إيت وارشيخ -في حديث مع الجزيرة نت- متأسفا على الوضع الذي آلت إليه محطات التزلج، واصفا إياه بـ”غير المُرضي” بسبب عدم الاهتمام بِمحطات التزلج، وتعطل المشغلات الكهربائية بها.
ويعمل المغرب على إطلاق مشروع توسيع محطة أوكايمن وتوسيع الطريق إليها، بالإضافة إلى مشروع محطة ثلجية للتزلج في بويبلان (وسط).
وتشتغل الجامعة في أكثر من 70% من أنشطتها على التزلج الآلبي وتزلج العمق. وتهتم الجامعة، وفق رئيسها، بالرياضي المحلي. وأهل المغرب مشاركون لبطولات عالمية في التزلج، منها الألعاب الشتوية في بكين 2022.
جذب سياحي
يعتبر المغرب من الدول المصنفة عالميا في الوجهات السياحية للراغبين في ممارسة الرياضات الجبلية؛ إذ تمتاز المملكة بتنوع جغرافي فريد. ويكاد يجمع مختلف الفاعلين أن مستقبل السياحة يجد فرصه في السياحة الجبلية البيئية والثقافية، في تفاعل مع التوجه الجديد في الاختيارات السياحية الذي يمتاز بالبعد عن المدن وازدحامها.
يقول وارشيخ للجزيرة نت “رياضة الجبل تكاد تكون الوسيلة الحقيقية الأولى في جذب انتباه السياح الداخليين والخارجيين”.
من جانبه يرى عبد الرحيم الرياضي أن الدراجة الجبلية بالمغرب من بين ركائز السياحة المغربية، آخذا بعين الاعتبار السباقات العالمية التي تجرى بالمغرب في دورات متعددة منها ما وصل 19 دورة ويستوعب أكثر من 740 متسابقا من مختلف مناطق العالم.
وبخصوص البنية التحتية المُواكبة؛ يرى الفاعلون في القطاع أنها تتطور بتوسع الطلب، وتحتاج للمزيد من التأطير.
وينادي كل المهتمين بقطاع الرياضة الجبلية بالمغرب بالمزيد من الاهتمام بهذا النوع من الرياضات، لما يمتاز به من إيجابيات ترتبط بالإنسان في بنائه الجسدي والنفسي ناهيك عما تحققه من تنمية محلية ومساهمة في الدورة الاقتصادية.
يقول هشام وارشيخ “التضامن والمبادرة ساهما بشكل كبير في تطوير التسويق للرياضات الجبلية، لكن لا بد من مبادرة من السلطات المركزية لتطوير البنى التحتية، وتأهيل أطر التدريب، وتحقيق الولوج لأماكن جديدة”.
في الجبل حياة
ساهم توفر علامات تجارية تزود السوق بالمعدات والملابس اللازمة للرياضات الجبلية في الإقبال على هذه الرياضات، بالإضافة لما حققته وسائل التواصل الاجتماعي والصور من ترويج للسياحة الجبلية بالمغرب.
ووثق عز الدين لامين لمختلف مراحل مغامرته المئوية عبر إنستغرام، وقال للجزيرة نت إن فرحته وفخره كان يزيدان مع تفاعل الناس وكمّ الرسائل والتعليقات التي كانت تصله وكمِّ الإعجاب بالفرص السياحية المميزة التي تمثلها المناطق الجبلية المغربية، وعروض الرياضات الجبلية بها.
يقول عز الدين “أصبح السفر عندي جزءا من الحياة، وأغلب أوقاتي أقضيها في الجبال”. ويجزم بأن بالمغرب فرص سياحية واعدة غير مستغلة، وأن الكثير لا يكاد يصدق ما يوجد من مناظر وأماكن في مختلف ربوع المملكة.