هل تساوي حياة الفرنسي من أصل مغاربي أقل من حياة “فرنسي أصلي” من ذوي المعتقد المسيحي؟ يبدو أن السلطات الفرنسية تعتقد ذلك، انطلاقًا من رد فعلها المخيب للآمال بشكل فاضح على أنباء القتل المأساوي والوحشي لسائحين فرنسيين مغربيين والاعتقال غير المبرر لسائح آخر عبر خفر السواحل الجزائريين يوم الثلاثاء.
وكما أوضحت التقارير المتقاربة خلال اليومين الماضيين، قتلت سلطات السواحل الجزائرية بالرصاص سائحين فرنسيين مغربيين كانا يقضيان إجازة في المغرب، ويبدو أنهما غامرا بدخول المياه الجزائرية أثناء ركوبهما دراجتيهما المائية.
وكان السائحان اللذان قُتلا بوحشية جزءًا من مجموعة مكونة من أربعة أشخاص، يحملون الجنسيتين الفرنسية والمغربية، وقد انطلقوا في رحلتهم من منتجع السعيدية المغربي. وأوضح التقرير أن عضوا آخر في المجموعة اعتقل عبر خفر السواحل وهو قيد الاعتقال حاليا في الجزائر.
ليس من المستغرب أن أثار هذا الحادث المأساوي غضبًا عارمًا في المغرب، حيث لجأ الكثيرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن إحباطهم وصدمتهم بعد أن نشر صياد محلي مقطع فيديو يصور جثة هامدة تطفو في البحر. وتمكن محمد كيسي، الناجي الوحيد من المجموعة، من العودة بسلام إلى المغرب. وبينما ينعي محمد الآن الخسارة المأساوية لصديقه وشقيقه بلال كيسي، فقد دعا السلطات في بلديه، فرنسا والمغرب، إلى محاسبة “القاتل”.
ووسط موجة الإدانة المستمرة والغضب الشعبي المتزايد، حث ابن عم بلال كيسي، وهو ممثل، السلطات المغربية على رفع القضية إلى المحاكم الدولية، في حين نددت الجمعية المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان بـ “الانتهاك الشنيع” للجزائر لمعاهدة جنيف اتفاقية حماية المدنيين.
رداً على ذلك، ردت كل من باريس والرباط على أنباء الخسارة المأساوية لمواطنيهما الذين كانت جريمتهم الوحيدة، كما قال ابن عم الممثل بلال كيسي، هي أنهم ضلوا طريقهم دون علم في المياه الجزائرية أثناء استمتاعهم بإجازتهم قبالة منتجع السعيدية المغربي. وبينما كان الردان متشابهين في لهجتهما المعتدلة والهادئة، إلا أنهما لا يمكن أن يكونا أكثر اختلافا عندما يتعلق الأمر بالأهمية التي يعلقانها على الحادث المأساوي.
ونظرا للعلاقات المتوترة تاريخيا بين المغرب والجزائر، فإنني أتفهم تماما الهدوء ورباطة الجأش الذي أبدته الحكومة المغربية منذ ظهور الأخبار عن اغتيال المواطنين الفرنسيين المغربيين. وليس للمغرب أي مصلحة في تصعيد التوتر مع الجزائر، ناهيك عن إعطاء النظام الجزائري ورقة يستخدمها لصرف انتباه الشعب الجزائري عن فشل حكوماته سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
من المؤكد أن تدفق الغضب والإدانة من جانب المواطنين المغاربة يستحق الثناء ويظهر إلى أي مدى يتحد المغاربة عندما يتعرض أحد مواطنينا للأذى أو الظلم. ولكن هناك فرق بين ما يعبر عنه الأشخاص العاديون والنساء العاديات وبين الإجراءات التي ينبغي للحكومة اتخاذها في حالات مثل المواجهة المأساوية بين المواطنين المغاربة والسلطات الجزائرية.
الدولة لديها حساباتها الخاصة وتتصرف ضمن حدودها وهذا أمر مفهوم تماما. إن الدولة التي تبني قراراتها وخطواتها على الحكمة والعقل ورباطة الجأش لا يمكنها أن تستنتج نتائج متسرعة أو تتخذ خطوات غير محسوبة يمكن أن تأتي بنتائج عكسية أو يكون لها تأثير كارثي على استقرار البلاد وازدهارها.
ولأن الشخصين اللذين قُتلا جبانين يحملان الجنسيتين الفرنسية والمغربية، فإن القضية لا تشمل المغرب والجزائر فحسب، بل تشمل أيضا فرنسا، التي من حيث المبدأ – أو على الأقل بشكل عام، لا تدخر جهدا في تقديم المساعدة لمواطنيها عندما يواجهون صعوبات أو يمرون بمواقف تهدد حياتهم في الخارج.
لكن ما لا أستطيع فهمه هو الصمت المتواطئ من جانب الحكومة الفرنسية ووسائل الإعلام الفرنسية. إن إصدار بيان يكتفي بإبلاغ الرأي العام الفرنسي بمقتل مواطنين فرنسيين المولد لا يكفي في حالات مثل تلك التي بين أيدينا. وكما فعلت في حالات سابقة عندما قُتل فرنسي أو اختطف أثناء إجازته في الخارج، ينبغي للحكومة الفرنسية أن تصدر بيانا شديد اللهجة تدين فيه هذا العمل الشنيع وتدعو الحكومة الجزائرية إلى توضيح الظروف المحيطة ومحاسبة مرتكبيه.
وكأن تصريحهم الوديع لم يكن فاضحاً بالقدر الكافي، فقد أضافت الحكومة الفرنسية الطين بلة عندما لم تكلف نفسها عناء التعبير عن تضامنها مع أسر الضحايا. في الواقع، بعد الفشل في: إدانة العمل الشنيع بقوة، وتحذير الجزائر من عدم محاسبة الجناة، وإرسال رسالة صادقة من التضامن والدعم للعائلات المتضررة، فإن البيان الفرنسي المسطح والمخيب للآمال اكتفى بالقول إن تلك الأزمة ودعمها وزارة الخارجية وسفاراتها في الرباط والجزائر العاصمة على اتصال وثيق مع عائلات الضحايا “التي تقدم لهم الدعم”.
ويتناقض هذا الموقف البارد بشكل صارخ مع البيان الذي أصدرته الحكومة الفرنسية عقب مقتل ستة عمال إغاثة فرنسيين ودليلهم وسائقهم في النيجر في أغسطس 2020. في ذلك الوقت، سارع المدعي العام الفرنسي إلى فتح تحقيق ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القتل باعتباره عملاً “جباناً”.
وأظهرت باريس نفس موقف الإدانة عندما قُتلت امرأتان فرنسيتان في هجوم إرهابي أودى بحياة 59 شخصا في نيروبي في سبتمبر/أيلول 2013. وفي بيان يحمل خطورة الموقف الذي كان يرد عليه، أصدر الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا وندد هولاند “بأشد العبارات بالهجوم الجبان وشاطر عائلة مواطنينا الألم”.
إن رد فعل باريس المزدري على مقتل اثنين من الفرنسيين من أصل مغربي واعتقال أحدهما على يد خفر السواحل الجزائريين يمكن أن يلقى اللوم إلى حد كبير على وسائل الإعلام الفرنسية، التي افتقرت تغطيتها للقتل المتعمد لسائحين مسالمين وغير مسلحين إلى حيويتها المعتادة و الشعور بالإلحاح.
لم أشاهد بعد هذا القدر من الغضب والإدانة الذي نقرأه عادة في وسائل الإعلام الفرنسية عندما يُقتل أو يُختطف “فرنسي أصلي” في أي مكان في العالم. وفي رأيي أن هذا الافتقار إلى الإلحاح والتعاطف من جانب كل من الحكومة الفرنسية ووسائل الإعلام الفرنسية المتحمسة والمؤيدة عادة، يشكل إشارة واضحة إلى أن الخطاب الفرنسي السائد يعتبر بعض المواطنين فرنسيين أكثر من غيرهم.
في الواقع، وكما حذر العديد من مراقبي السياسة الفرنسية على مدى العقدين الماضيين، فبينما تفتخر فرنسا بالتزامها بالحرية والمساواة والأخوة، تبدو هذه المُثُل في بعض الأحيان قاصرة عندما يتعلق الأمر بمجتمعات الأقليات، وخاصة الأقليات العربية. نزول.
بينما تتصارع فرنسا مع المناقشات حول دمج مجتمعات الأقليات في المجتمع الفرنسي، فإن التنميط الذي لا نهاية له من قبل سلطات إنفاذ القانون للمواطنين الفرنسيين المختلطين والعقلية الاستعمارية الجديدة لبعض السياسيين قد أدى إلى إدامة الصور النمطية العنصرية وخلق بيئة تكافح فيها فرنسا لتوسيع مبادئ الحرية والمساواة. والأخوة لجميع المواطنين الفرنسيين، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو العرقية.
وهكذا، فإن فشل أخبار القتل المأساوي لمواطنين فرنسيين من أصل عربي في تحفيز الحكومة ووسائل الإعلام الفرنسية لا يعني إلا أن الكثيرين في الطبقات الحاكمة والثرثارة الفرنسية لم يقتربوا بعد من التخلص من استعمارهم الجديد. العقلية المتعلقة بما يعنيه أن تكون “فرنسيًا حقيقيًا”.