في سياق التضييق على أيّ رأي أو موقف معارض لــ “إسرائيل”، التي تمارس إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين اليوم، أقدمت دار النشر الفرنسية “فايارد” على سحب كتاب “التطهير العرقي لفلسطين” للمؤرّخ “الإسرائيلي” إيلان بابيه من قائمة مبيعاتها.
ومنذ 7 تشرين الثاني/نوفمبر، سحبت الدار من قائمة كتبها المعدّة للبيع، كتاب بابيه، الذي يعدّ أحد الأعمال الرائدة حول الاستعمار “الإسرائيلي” في فلسطين، وبالتالي لن يعود الكتاب متوفّراً في الأسواق الفرنسية.
وزعمت “فايارد” أن السبب يعود إلى انتهاء العقد مع بابيه بتاريخ 27 شباط/فبراير 2022، علماً أنه سبب “غير مفهوم”، خاصة إذا علمنا أن مبيعات “التطهير العرقي لفلسطين”، ارتفعت بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة (307 نسخ بين 9 تشرين الأول/أكتوبر و12 تشرين الثاني/نوفمبر).
ويبدو السياق الحالي لـ “مطاردة الساحرات” غير مرتبط بقرار “فايارد” بإزالة كتاب بابيه من كتالوجه. وهي فرضية معقولة بالنظر إلى أنّ أيّ إدانة لسياسة التطهير العرقي والاستعماري التي تنتهجها “إسرائيل”، يتمّ إسكاتها بشكل منهجي، مثل اعتقال نقابي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بتهمة “الاعتذار عن الإرهاب”، أو نشطاء الثورة الدائمة الذين تمّ تحدّيهم بسبب مجموعات بسيطة لدعم فلسطين. وتزداد خطورة الرقابة لأنها تهدف إلى إعاقة الوصول إلى عمل أحد الباحثين الرئيسيين في تاريخ “إسرائيل” والمشروع الصهيوني في فلسطين.
ويتزامن سحب عمل بابيه أيضاً مع الاستحواذ الفعلي على مجموعة النشر “هاشيت”، التي تنتمي إليها “فايارد”، من قبل الملياردير اليميني المتطرّف فنسنت بولوريه. وهو صاحب إمبراطورية إعلامية حقيقية، يضعها رجل الأعمال في خدمة نشر أفكاره الرجعية المتطرفة: القنوات والصحف التابعة لجماعة بولوريه، منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كانت في طليعة الفورة الحقيقية المعادية للإسلام، مما جعل الإبادة الجماعية المستمرة بحق أهل غزة بمثابة “نضال حضاري”.
وبعيداً عن كونه عملاً تافهاً، فإن سحب كتاب بابيه يوضح ويؤكد المدى الكامل للهجوم الرجعي الجاري حالياً، والذي من الضروري مواجهته بالاستمرار في إدانة الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين وتواطؤ القوى الإمبريالية، وعلى رأسها فرنسا.
إن الحاجة إلى بناء حركة واسعة تطالب بتقرير مصير الشعب الفلسطيني واختفاء الدولة الصهيونية أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، لأنه كما يشير بابيه، فإن الطريقة الوحيدة لوضع حد للتطهير العرقي هي القتال ضد نظام الفصل العنصري الإسرائيلي من أجل “فلسطين منزوعة الصهيونية ومحرّرة وديمقراطية، من النهر إلى البحر”.
ويوضح بابيه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين”، وهو بحث موثّق بعناية، أن تأسيس “إسرائيل” عام 1948 قام على طرد السكان العرب وممارسة التطهير العرقي بحقهم، فيما شكّلت سياسة الطرد المنهجي التي يتبعها الاحتلال ما يسميه “الإبادة الجماعية التقدمية”.