في وقت كانت الحكومة التونسية تقود حراكا دوليا، بحثا عن السيولة النقدية وعودة نسق الاستثمارات الأجنبية، جاءت قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة، لتضيف تحديات لمستقبل الاقتصاد المحلي.
مساء الأحد، أعلن الرئيس التونسي جملة قرارات أبرزها تجميد جميع أعمال واختصاصات المجلس النيابي (البرلمان)، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه.
وإن كان لهذه القرارات تأثير على الوضع السياسي في تونس، الذي يعيش منذ أشهر على تجاذبات لم تستطع مكوناته احتواءها، إلا أن تأثيرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي سيكون وخيما، وسط تردي الوضع الصحي.
اقتصاد تونس يعيش في الفترة الأخيرة أزمة غير مسبوقة، مع تسجيل انكماش في النمو خلال الربع الأول الماضي بنسبة 3 بالمئة وارتفاع البطالة إلى 17.3 بالمئة، وانهيار عائدات السياحة نتيجة الأزمة الوبائية، وتفاقم المديونية.
تقديرات رسمية، تشير إلى ارتفاع المديونية العامة خلال العام الجاري قرب 35 مليار دولار، تشكل أزيد من 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع قرابة 30 مليارا بنهاية 2020.
وسعت تونس إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية من خلال دخولها منذ مايو/أيار الماضي في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على قرض جديد قيمته 4 مليارات دولار.
لكن الأخير يشترط توفر الاستقرار السياسي وتوافقا بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة.
وأمام هذه الوضعية السياسية الآن، فإنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، وهو ما أكدته وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في بيان لها أمس الإثنين، حذرت فيه من خفض تصنيف تونس مجددا بعد الخفض الأخير لتصنيفها السيادي إلى “B-“.
وحسب “فيتش” فإن قرارات الرئيس التونسي ستقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، كما أن فشل التفاوض مع النقد الدولي سيؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، وسيزيد من الضغوط على السيولة الدولية.
يشار إلى أن تونس في حاجة إلى تعبئة قروض إضافية بقيمة 18.7 مليار دينار (6.85 مليارات دولار)، وأن مستحقات الدين العمومي بلغت 16.3 مليار دينار (6 مليارات دولار) خلال 2021 وحده.
قرارات تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، ستكون لها تداعيات سلبية على الاستثمار المحلي والأجنبي، وعلى مناخ الأعمال، حيث أن الاستقرار السياسي يعتبر أهم ركائز عودة الاستثمار الذي تضرر كثيرا بعد الثورة.
وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 31.9 بالمئة في الربع الأول 2021، وبنسبة 26.0 بالمئة في 2020 مقارنة مع 2019.
من بين هذه التأثيرات كذلك، مزيد من الضغوط على المالية العمومية وعجز تونس عن تسديد ديونها الخارجية، وتعطل حركة الإنتاج.
ولم تمر 24 ساعة على القرارات السياسية للرئيس التونسي، حتى بدأت تأثيراتها تتجلى خاصة على سوق السندات الدولية، حيث أظهرت بيانات “تريد ويب” المتتبعة للسندات الدولية السيادية والخاصة، تراجع إصدار سندات تونس المقومة بالدولار الأمريكي استحقاق 2025 بمقدار 2.61 سنتا إلى 86.004 سنتا للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول 2021.
ويعني ذلك، أن إقدام تونس لطرح أية سندات في الوقت الحالي يؤشر إلى تقديم أسعار فائدة مرتفعة، أعلى من السعر المرجعي، نظرا للمخاطر السياسية التي تشهدها البلاد.
والجدير بالذكر أن الحكومة كانت تسعى إلى إصدار سندات بحوالي 3 مليارات دولار، إلى جانب سعيها إلى الحصول على ضمان من الإدارة الأمريكية بقيمة مليار دولار، لتستطيع الإيفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية.
هذه التأثيرات، يمكن تجاوزها إذا ما تم التسريع في تركيز حكومة جديدة تضع الجانب الاقتصاد من أولوياتها، وتسعى إلى إعادة الثقة في مناخ الأعمال في تونس.
لكن هذه الخطوات الإصلاحية، لن تكون سريعة التأثير على “النقد الدولي” والدائنين الدوليين ولا المستثمرين، الذين يبحثون عن استقرار طويل المدى قبل ضخ دولار واحد في السوق.
الأناضول