تمر شركات فرنسية بالجزائر بوضع صعب ومتعثر منذ عدة أشهر، وجدت العديد منها نفسها في مواجهة واقع جديد لم تألفه على مدار العقدين الماضيين، ما يؤشر حسب متابعين على خريف تمر به الشركات الفرنسية المتواجدة في البلاد.
في هذا السياق، تبرز آخر حلقة من هذا الوضع الصعب للشركات الفرنسية الناشطة بالجزائر، ممثلة في انتهاء عقد الشراكة مع مجمع “سياز” الفرنسي في إطار شركة التطهير والمياه للعاصمة سيال، الذي انتهى رسميا الثلاثاء، وتحولت “سيال” إلى مؤسسة جزائرية مائة بالمائة وطاقم تسيير محلي وتقلد منصب المدير العام إلياس ميهوبي، وهو أحد إطارات الشركة.
واللافت في القضية هو أن عقد الشراكة بين الجزائرية للمياه والديوان الوطني للتطهير، من جهة، ومجمع “سياز” الفرنسي، من جهة أخرى، تم تجديده ثلاث مرات ما بين 2006 و2021، وتداول على مقاليد شركة “سيال” 4 مديرين عامين من جنسية فرنسية، لكن رأي السلطات كان هذه المرة بعدم تجديد العقد ونهاية الشراكة مع الطرف الفرنسي نهائيا، وجاء فك الارتباط في عز أزمة مياه بالعاصمة وتيبازة وعدد من المدن الأخرى.
ويستشف من قرار السلطات بعدم تجديد عقد الشراكة مع الفرنسيين في شركة سيال، أنه جاء أيضا بدوافع اقتصادية، من منطلق أن الشريك الفرنسي يضمن فقط التسيير والإدارة (الماناجمنت)، ولذلك فالمرجح أن السلطات لم ترغب في مزيد من نزيف العملة الصعبة، من أجل أعمال يمكن للطرف الجزائري أن يضمنها وبذلك الحفاظ على أموال بالدوفيز كانت تحول في شكل أرباح.
علامات استفهام عن توقف الميترو بعد مغادرة الفرنسيين
وإلى جانب “سيال”، تبرز شركة فرنسية أخرى غادرت الجزائر قبل أشهر، وهي شركة “طراتيبي باريس” التي كانت مكلفة بتسيير وصيانة مترو الجزائر، حيث طالها قرار وزارة النقل بعدم تجديد عقدها المنتهي في أكتوبر 2020، وبذلك فقد غادرت هي الأخرى.
لكن اللافت في هذه القضية هو أن المترو كان قد تم إيقاف نشاطه في شهر مارس 2020، في إطار أول إغلاق تشهده الجزائر لمواجهة انتشار فيروس كورونا، وكانت الشركة الفرنسية حينها ما تزال هي المسيرة لهذه المنشأة، لكن المترو ما زال متوقفا إلى الآن رغم مغادرة الشركة الفرنسية وتعويضها بشركة أخرى جزائرية مائة بالمائة، ما يطرح العديد من التساؤلات، ورغم عودة نشاط النقل إلى جميع الوسائل الأخرى، على غرار الحافلات وسيارات الأجرة والترامواي والقطارات والطائرات، ولم يبق خارج الخدمة سوى المترو والنقل البحري للمسافرين.
ومن بين أبرز الشركات الفرنسية التي واجهت وضعا متعثرا، نجد “توتال” للطاقة التي وجدت نفسها في مواجهة فيتو جزائري صارم بخصوص استحواذها على أصول أناداركو الأمريكية التي انتقلت إلى أوكسيدنتال بيتروليوم، حيث تم اللجوء لحق الشفعة بموجب قانون المحروقات، وبذلك رفضت الصفقة بالكامل في شقها الجزائري، بالنظر إلى أن “توتال” اشترت أوصول أناداركو الأمريكية في كامل القارة الأفريقية.
وانضم بنك “كريدي أغريكول” لقائمة الشركات الفرنسية التي واجهت وضعا صعبا في الجزائر، حيث سحب بنك الجزائر اعتماد نشاطه في شهر أفريل الماضي، بموجب قرار موقع من طرف محافظ بنك الجزائر، رستم فاضلي، بعد أن كان هذا البنك الفرنسي قد دخل السوق الجزائرية في ماي 2007. ويضاف ملف شركة “ألستوم” الفرنسية إلى قائمة الشركات المتعثرة بالجزائر، حيث سبق لـ”الشروق اليومي” أن كشفت في عدد سابق أن مصالح الأمن المختصة في مكافحة الجريمة المالية والاقتصادية، قد أنهت إعداد تحقيقات في ملف الفساد تتعلق بصفقات أبرمتها الشركة الفرنسة “ألستوم” مع شركة سونلغاز ومؤسسة “ميترو” و”تراموي الجزائر” بقيمة مالية إجمالية تفوق 20 ألف مليار سنتيم، لإنجاز محطات توليد الكهرباء وميترو الجزائر والتكفل بأشغال الهندسة المدنية وتجهيزات النقل والبنى التحتية لترامواي مدينتي وهران وقسنطينة، على أن يتم إحالة الملف على الجهات القضائية في الأيام القليلة المقبلة.
ولعل الاختلاف الوحيد بالنسبة للشركات الفرنسية المتعثرة في الجزائر هو وضع شركة “رونو” للسيارات، التي تعاني أزمة منذ أشهر جراء وقف استيراد القطع والأجزاء الموجهة للتركيب والتجميع، لكن وضع الشركة الفرنسية ليس استثناء خاصا بها، بل هو وضع مشابه لجميع معامل التركيب التي أقيمت في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتواجه حاليا الغلق وتسريح العمال والموظفين.
بن يحيى: المحاباة مكنت شركات فرنسية في عهد بوتفليقة
ويرى الخبير والمحلل الاقتصادي، فريد بن يحيى، أن وصول شركات فرنسية ناشطة بالجزائر إلى هذا الوضع المتعثر، دليل على أن الحكومات السابقة في حقبة الرئيس بوتفليقة، كانت تحابي في منح الصفقات والعقود للشركات الفرنسية، وبل تم منحها أكثر مما تستحق.
وأفاد فريد بن يحيى في تصريح هاتفي لـ”الشروق” أن الكثير من الصفقات والعقود منحت من طرف المجموعة (حكومات عبد العزيز بوتفليقة)، وفق اعتبارات وليس لكفاءة وأحقية الشركات الفرنسية.
وأضاف بن يحيى أن شركة ألستوم مثلا، كانت على حافة الإفلاس فتم منحها مشاريع في الجزائر من طرف حكومات بوتفليقة، ما أدى إلى إنقاذها من الاندثار، في حين كان بالإمكان شراؤها بالكامل إضافة لبراءات الاختراع التي تملكها.
ووفق بن يحيى، فإن المستوى الضعيف للحكومات السابقة دفع إلى الاعتماد على تسيير إداري وليس اقتصاديا، ما أدى إلى منح صفقات لشركات فرنسية رغم عدم أحقيتها بها، بل لاعتبارات لا علاقة لها بالاقتصاد والأداء.
وحسب المتحدث، فإن عديد الصفقات التي منحت بالشركة لمؤسسات فرنسية، كان بالإمكان تفاديها والاكتفاء بتوظيف 4 أو 5 مسيرين أجانب من ذوي الكفاءات، إلى جانب الطاقم الجزائري، عوض الشراكة التي ينجر عنها تحويل جزء من الأرباح بالعملة الصعبة إلى الخارج.
الشروق