تختتم غدًا الأحد، فعاليات النسخة الخامسة من معرض الصين والدول العربية، الذي تحتضنه مدينة ينتشوان عاصمة مقاطعة نينغشيا شمال غربي الصين، على مدار أربعة أيام في الفترة من 19 : 22 أغسطس، وشهدت الأيام الثلاثة الماضية لقاءات عقدها مسئولون حكوميون وسفراء ورجال أعمال صينيين وعرب، تستهدف تحقيق الدفع المشترك للتعاون عالي الجودة بين الجانبين في بناء مشروعات البنية التحتية والاستثمارات المباشرة في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وأثمرت فعاليات المعرض خلال الأيام الثلاثة الأولى، عن توقيع 277 صفقة بقيمة 156.7 مليار يوان تقريبا (نحو 24 مليار دولار أمريكي)، وتغطي تلك الصفقات مجالات مختلفة، من بينها المعلومات الإلكترونية والطاقة النظيفة والمواد الجديدة والغذاء الأخضر والتعاون السياحي، وتم توجيه نحو 154 مليار يوان من بين هذه الاستثمارات لدعم 199 مشروعا، كما تم أيضا توقيع 24 مشروعا تجاريا بقيمة 2.75 مليار يوان خلال المعرض. في حين أن آخر نسخة عام 2019، قد تم توقيع 287 صفقة بقيمة حوالي 185.42 مليار يوان.
وللمرة الأولى في التاريخ، أقيمت فعاليات المعرض الذي يقام كل سنتين، عبر الإنترنت وعلى أرض الواقع بسبب إجراءات الوقاية من تفشي وباء كورونا والسيطرة عليه، حيث قدم معرض هذا العام نموذجًا جديدًا من التعاون يستجيب للإجراءات الاحترازية في ظل جهود المكافحة العالمية لتفشي وباء كورونا، كما أتاح فرصة استكشاف المزيد من مجالات التعاون ليعطي بذلك زخما كبيرا للعمل التنموي المشترك بين الجانبين الصيني والعربي، فقد سجلت أكثر من 1000 شركة محلية وأجنبية للمشاركة فيه كعارضين في فعاليات افتراضية وعلى أرض الواقع، حيث قال منظمو المعرض في مؤتمر صحفي قبل بدء الفعاليات إن ما إجماليه 239 شركة تعرض أحدث منتجاتها وابتكاراتها في معارض فعلية تغطي مساحة تبلغ حوالي 12000 متر مربع.
وركزت الفعاليات على الرعاية الصحية والطاقة النظيفة والمواد الجديدة والاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية عبر الحدود، كما أقامت الشركات المشاركة عددا كبيرا من المعارض عبر الإنترنت اعتمادًا على تقنيات مثل الـ 5G والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية.
وعلى هامش المعرض، عُقدت فعاليات الدورة الرابعة لمؤتمر نقل التكنولوجيا والتعاون في الإبداع بين الصين والدول العربية بشكل فعلي وافتراضي، أول أمس الخميس، حيث ركزت على تعميق التعاون التقني الصيني العربي والتمسك بالابتكار والتشارك، كما تم التوقيع على اتفاقيات لحوالي 40 مشروعا في هذا المؤتمر وما تلاه من اجتماعات خاصة، بمبلغ يزيد عن 900 مليون يوان صيني، وتشمل هذه المشاريع مجالات الطاقة النظيفة، والمعلومات الإلكترونية، والسياحة والثقافة، والمواد الجديدة، والزراعة الحديثة وغيرها.
وخلال المؤتمر أكّد وانج تشي قانج، وزير العلوم والتكنولوجيا الصيني، أن بلاده تولي اهتمامًا بالغًا للتبادل والتعاون بين الصين والدول العربية في الابتكار التقني، مضيفا أنه في إطار خطة عمل “الحزام والطريق” للابتكار في العلوم والتكنولوجيا وبرنامج الشراكة العلمية والتكنولوجية الصينية العربية، تعمل الصين على تعزيز التعاون مع الدول العربية في مجالات التبادل الثقافي بين الشعوب والبحث المشترك ونقل التكنولوجيا وبناء حدائق التكنولوجيا وغيرها، مضيفًا أن “الصين على استعداد لإجراء تبادل وتعاون دولي واسع وعميق في العلوم والتكنولوجيا مع كافة الدول، ومن بينها الدول العربية، بما يدفع تعميق وتوطيد التعاون العلمي والتكنولوجي الصيني العربي بشكل مشترك، والتعامل مع المشاكل والتحديات العالمية التي تواجه المجتمع البشري”.
فيما أشارت السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد لقطاع الشئون الاجتماعية بجامعة الدول العربية، إلى أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية تتوقع أن تجري الصين والدول العربية تعاونا في مجالات تقنية النانو والتقنية الحيوية وتقنية الطاقة المتجددة والتقنية الزراعية وتقنية الأغذية العضوية والتقنية الطبية وغيرها، معربة عن أن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ستلعب دورا أكبر في تعميق التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية، وستدعم بشكل كامل اختيار الطلاب والفنيين العرب وإرسالهم إلى الصين لتلقي التدريبات التقنية المعنية.
في حوار نشرته وكالة “شينخوا” الصينية، قال دينج لونج، الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، إن “ترتيبات معرض هذا العام تعد بمثابة مقاييس للتحديث المستمر لمبادرة الحزام والطريق في حقبة ما بعد الجائحة، الأمر الذي يشير لمجالات نمو جديدة في القطاعات المدعومة بالتكنولوجيا، بحيث لا يقتصر التعاون على البنية التحتية والقدرة الإنتاجية، فضلا عن مكاسب تعاون جديدة للجانبين”.
وتعد الصين والدول العربية، اللتان ربط بينهما طريق الحرير القديم في قديم الزمان، شركاء طبيعيين للتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، ويتمتع الجانبان بتكامل ملحوظ، وحتى الآن، وقعت الصين وثائق تعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع 19 دولة عربية وجامعة الدول العربية.
وقال قاو شانج تاو، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة الصين للشئون الخارجية، إن التعاون الصيني العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق “سيساعد على حشد القوى لبناء مجموعات من الاقتصاديات المتقدمة، ما يوفر محركات قوية للتكنولوجيا والخبرات والخدمات من أجل تعزيز التعافي العالمي والمساهمة في الحفاظ على اقتصاد عالمي مفتوح يستفيد منه الجميع”.
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينج في كلمته بافتتاح المعرض، إن بلاده مستعدة للعمل مع الدول العربية من أجل البناء المشترك للحزام والطريق بجودة عالية ودفع الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية إلى مستوى أعلى، وأن الجانبين واصلا في السنوات الأخيرة تعزيز التنسيق الاستراتيجي وتضافر الإجراءات، وحقق البناء المشترك للحزام والطريق نتائج مثمرة، ما أدى لبقاء الصين كأكبر شريك تجاري للدول العربية.
أما الرئيس التونسي قيس سعيد، فقد أكد خلال كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية عثمان الجرندي، أهمية تعزيز علاقات الشراكة بين الجانبين بما يتيح خلق فرص جديدة للتعاون الاقتصادي والتجاري، مبديًا رغبة تونس في الاستفادة من مبادرة “الحزام والطريق” عبر استقطاب الاستثمارات الصينية المباشرة، ورفع حجم صادرات التونسية نحو السوق الصينية، وأن بلاده “تتطلع لاحتضان الاجتماع الوزاري العربي الصيني الأول في مجال السياحة سنة 2022، وباقتراحها إنشاء مرصد عربي صيني للسياحة المستدامة والاقتصاد الأخضر واستضافة مقره، بما يدعم فرص تسويق المنتج السياحي التونسي نحو السوق الصينية”.
فيما قال رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني، إن الدول العربية والصين تحقق تكاملا اقتصاديا كبيرا، وتتمتع بآفاق واسعة للتعاون، مشيرا إلى أن المغرب شارك بنشاط ولعب دورا بناء في مبادرة الحزام والطريق، وشهد تقدما كبيرا في البنية التحتية.
من ناحية أخرى، دعا المشاركون بالمعرض من الجانبين إلى لتركيز على الوقاية من وباء كورونا والسيطرة عليه، وتعميق التعاون في مكافحة المرض. ووفقًا لشبكة تليفزيون الصين المركزي “CGTN“، فإن تقريرًا نشرته اللجنة المنظمة للمعرض عن تطوير التعاون الاقتصادي، تناول كيفية مساعدة الجانبين بعضهما البعض خلال المعركة الشديدة ضد الوباء، مؤكدًا أن الدول العربية بذلت قصارى جهدها لتقديم الدعم إلى الشعب الصيني خلال أصعب لحظة في معركته ضد “كوفيد-19″، كما قدمت الحكومة الصينية المساعدة أيضا بعد تفشيه بالدول العربية، ما أظهر علاقات الصداقة العميقة بين الجانبين.