يتخوف العاملون في قطاع السياحة بالمغرب من “ضربة قاضية” تعمّق أزمة هذا القطاع الحيوي للاقتصاد المغربي للعام الثاني، بسبب إغلاق الحدود مجدداً جرّاء جائحة كوفيد-19، خصوصاً مع فرنسا التي تُعَدّ أهم مصدر للسياح الأجانب.
قُبيل تعليق الرحلات الجوية تماماً لأسبوعين تحسباً لانتشار المتحورة أوميكرون ابتداء من الاثنين، أغلق المغرب حدوده منذ الأحد وحتى إشعار آخر مع فرنسا، بسبب تطورات الوضع الوبائي في “جواره الأوروبي”.
وكانت الرحلات معلقة أيضاً منذ الشهر الماضي مع بريطانيا وألمانيا وهولندا، وجميعها من الدول التي يأتي منها السياح تقليدياً للسياحة في المغرب.
وبينما كان المهنيون يعوّلون على عُطَل أعياد نهاية السنة لتخفيف الخسائر التي يتكبدها القطاع منذ عامين، يأسف رئيس فيدرالية الفندقيين المغاربة لحسن زلماط لكون “الانتعاشة المأمولة لن تتحقق”.
ويضيف: “كل الحجوزات ألغيت وجُلّ الفنادق سوف تُضطرّ إلى الإغلاق، علماً بأن نحو 50 في المئة منها مغلقة أصلاً منذ بدء الجائحة”.
ويصف رئيس فيدرالية أرباب وكالات الأسفار محمد السملالي تعليق الرحلات مع فرنسا في هذه الفترة بالذات بـ”الضربة القاضية للقطاع”. وينبّه إلى أن “قرابة 80 في المئة من وكالات الأسفار لا تزال مقفلة منذ ظهور الجائحة” مطلع 2020.
ونقل موقع “ميديا 24” المحلي عن أحد المهنيين قوله إنّ السياحة المغربية ستخسر أكثر من 100 مليون دولار على أقل تقدير خلال فترة رأس السنة الميلادية. ولم يتسنَّ لوكالة “فرانس برس” الحصول على معطيات رسمية حول الخسائر المتوقعة.
اللا يقين
بعدما ظلّت مغلقة في وجه 54 بلداً لأشهر طويلة بعد ظهور الجائحة، أعاد المغرب فتح حدوده تدريجياً ابتداءً من يونيو، ما مكّن من تحقيق تحسن نسبي لنشاط هذا القطاع الحيوي للاقتصاد المغربي الذي يشكل قرابة 7% من الناتج الداخلي الخام.
تبعاً لذلك، ارتفع عدد السياح القادمين إلى المملكة إلى قرابة مليونين ما بين يونيو وأغسطس، مقابل 165 ألفاً خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفق آخر نشرة لوزارة المالية حول الظرفية الاقتصادية.
وبقيت آمال استمرار هذا الانتعاش قائمة مع تحسن الوضع الوبائي في المملكة خلال الأشهر الأخيرة، ما سمح برفع حظر التجوال الليلي المفروض لأشهر، وتخفيف القيود على التنقلات داخل المملكة وعلى ولوج الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية.
لكن السلطات المغربية عادت لتغلق الحدود في وجه المسافرين القادمين من ألمانيا وهولندا وبريطانيا ابتداءً من 20 أكتوبر، قبل أن تضاف فرنسا إلى اللائحة ابتداءً من الأحد وحتى إشعار آخر.
ويريد المغرب من إغلاق حدوده “الحفاظ على المكاسب الهامة” التي تحققت في التصدي للجائحة، إضافة إلى حملة التلقيح التي استفاد منها حتى الآن أكثر من 60% من السكان (أكثر من 22 مليوناً).
لكن مدير مكتب “بروتوريزم” الفرنسي المتخصص في القطاع ديدبي أرينو يرى أن تعليق الرحلات الدولية الآن يشكل “خبراً سيئاً بالنسبة إلى السياحة المغربية التي هي في وضع جد صعب مع خسائر كبيرة في رقم المعاملات، خصوصاً أنه يأتي بعد ارتفاع في الحجوزات باتجاه المغرب الذي كان أصبح بديلاً لوجهات سياحية أخرى”.
ويزيد في حجم الخسائر المتوقعة أن الإغلاق يصادف شهر ديسمبر الذي “كان ينتظر قدوم نحو مئة ألف سائح فرنسي ألغوا حجوزاتهم الآن”، وفق رينو.
صدمة الصيف الماضي
وأسهمت السياحة الداخلية في امتصاص الصدمة خلال الصيف الماضي، إلا أن المهنيين لا يعولون عليها كثيراً لتقليل الخسائر المرتقبة خلال نهاية العام، “في ظل حالة اللا يقين المرتبطة بتطورات الوباء”، كما يقول لحسن زلماط.
وتراجعت مداخيل القطاع إجمالاً بمعدل 65 في المئة بين 2019 (نحو 7,5 مليون يورو) و2020، وفق أرقام رسمية.
كما انهار عدد ليالي المبيت في الفنادق من 25,2 مليون ليلة عام 2019 إلى سبعة ملايين فقط في العام التالي.
على المستوى الاجتماعي، يقدر زلماط عدد الوظائف التي ستلغى حالياً بسب أزمة القطاع بنحو 20 إلى 30%.
ونقل موقع “ميديا 24” عن وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور أن السلطات سوف تعيد تقديم دعم شهريّ يقارب 200 دولار لمهنيي القطاع المتوقفين عن العمل، خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام، دون تفاصيل حول عدد المستفيدين منها.
واعتُمدت هذه الإعانات منذ بدء الجائحة، وتوقفت خلال انتعاشة القطاع الصيف الماضي، لكنها تشمل فقط العاملين النظاميين المصرح بهم في صندوق التضامن الاجتماعي.
على الصعيد العالمي، قدّرت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع خسائر هذا القطاع بتريليونَي دولار عام 2021، وهو مبلغ مماثل للعام الماضي، واصفة تعافي القطاع بأنه “بطيء” و”هش”.