تشكل حركة مؤشر تحويلات المغتربين المغاربة موضع رصد دائم من الهيئات الدولية والمحلية باعتبارها أحد المحركات الداعمة للاقتصاد المغربي المتضرر من الأزمة الصحية كباقي دول العالم.
وارتفعت التحويلات المالية للمهاجرين المغاربة في 2020 خلافا للتوقعات التي كانت تشير إلى تراجعها في عدد من الدول بسبب تداعيات أزمة فايروس كورونا المستجد حيث يتم توجيهها إلى دعم أسرهم ونسبة أخرى تتدفق باتجاه بعض الاستثمارات كقطاعات العقارات والزراعة ثم البناء والتشييد.
وبحسب الأرقام التي تضمّنها تقرير “موجز الهجرة والتنمية 34” الصادر عن البنك الدولي، فقد بلغت التحويلات العام الماضي 7.4 مليارات دولار، ما يمثل 6.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 6.9 مليارات دولار خلال سنة 2019، وهو المبلغ نفسه المسجل أيضا سنة 2018.
ورحب وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة محمد بنشعبون بالزيادة المستدامة في تلك التحويلات المالية الضخمة على الرغم من القيود الاقتصادية التي سببتها الأزمة الصحية، مما يعكس متانة الروابط بين المغرب وهذه الجالية.
وأشار بنشعبون إلى أن رقم التحويلات المالية ما فتئ يتطور بشكل منتظم ومستمر من عام إلى آخر، وبشكل مستقل عن الأزمات والأحداث الطارئة، التي يمكن أن تحدث.
وجاء ضمن تقرير البنك الدولي أن التحويلات المالية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمت بنسبة 2.3 في المئة لتصل إلى نحو 56 مليار دولار في 2020، ويعزى هذا النمو في معظمه إلى قوة تدفقات التحويلات إلى المغرب.
ويحتل المغرب المرتبة الثانية من حيث تلقّي تحويلات الجالية المقيمة في المنطقة العربية، بعد مصر التي استقبلت تدفقات مالية من جاليتها في الخارج بحوالي 29.6 مليار دولار، ويأتي لبنان في المرتبة الثالثة بنحو 6.2 مليارات دولار، ثم الأردن في المرتبة الرابعة بقرابة 3.9 مليارات دولار.
وأظهر بحث قامت به المندوبية السامية للتخطيط، في إطار برنامج التعاون الإحصائي (ميدياسات)، الذي وُضع من أجل دول جنوب البحر الأبيض المتوسط، أن القطاعات الاستثمارية الأبرز في المغرب تشمل بالأساس كلا من العقارات والزراعة والبناء والتجارة والخدمات.
وأشارت الدراسة إلى أن العقارات بمعناها الواسع، والتي تشمل البناء وامتلاك أراض غير زراعية، تشكل ستة أعشار مجموع الاستثمارات.
ويقول بنشعبون إن حوالي 10 في المئة من تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج توجه نحو الاستثمار خاصة في الأراضي والعقارات.
لكنّ الباحثين بالمندوبية السامية للتخطيط أكدوا أن الغالبية العظمى من المهاجرين الحاليين، أي حوالي 97.1 في المئة من مجموع المغتربين، لا تستثمر في المغرب.
وأشاروا إلى أن الأسباب ترتبط بشكل رئيسي بعدم كفاية رأس المال والإجراءات الإدارية المعقدة، وضعف الدعم المالي، وكذلك غياب التحفيزات الضريبية.
وفي حديثه عن ديناميكيات مناخ الاستثمار في المغرب سلط بنشعبون الضوء على تطور مجال الأعمال والجهود المبذولة لتشجيع الاستثمار، مشيرا إلى أن “الرباط تواصل على مرّ السنين احتلال مكانة في تصنيف ممارسة الأعمال”.
ويبلغ عدد المغاربة المغتربين حوالي 5 ملايين، أغلبهم في أوروبا، وهو ما يجعلها ثاني أكبر جالية لبلد أفريقي، ويقوم حوالي 42 في المئة منهم بتحويل الأموال إلى أسرهم.
وأشار البنك الدولي إلى أن التدابير المالية التي أدت إلى ظروف اقتصادية أفضل في معظم البلدان المضيفة ساهمت في تدفق التحويلات المالية، ناهيك عن التحوّل في التدفقات من الدفع النقدي إلى الدفع الرقمي، ومن القنوات غير الرسمية إلى القنوات الرسمية، والتحركات الدورية في أسعار النفط وأسعار صرف العملات.
ويرى إدريس الفينة الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية أن تحويلات المغتربين تدعم ثلاثة مجالات أساسية هي الدعم المادي للأسر المرتبطة بها وشراء العقارات أو تشييدها بما يُناهز نصف التحويلات، ثم تطوير شركات صغيرة ومتوسطة.
وكان بنشعبون قد قال خلال جلسة عمل عقدها الاتحاد العام لمقاولات المغرب (تجمّع رجال الأعمال المغاربة) حول فرص الاستثمارات بالمغرب أن حوالي 15 في المئة من هذه التحويلات يتم تحصيلها عن طريق المدخرات، في حين أن معظمها موجهة نحو التضامن والدعم العائلي.
وشدد الوزير على أهمية الاستفادة من خبرات الجالية المغربية التي طورت “شبكة من العلاقات التجارية والتكنولوجيا يمكن للمغرب الاستفادة منها لحل المشكلة المتعلقة بإنعاش النمو”.
وتُمثل تحويلات الجالية المغربية مصدراً مُهماً لدعم العُملة الصعبة، التي تُغطّي في المتوسط حوالي خمسة أشهر لتأمين واردات المغرب من السلع والمواد الأساسية.
وبحسب البنك الدولي فإن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون المغاربة إلى ذويهم تساهم في إتاحة شريان حياة للفئات الفقيرة والأولى بالرعاية، وتساعد على تلبية حاجة الأسر المتزايدة لدعم سبل كسب الرزق.
ووفق احصائيات المندوبية السامية للتخطيط ترتفع قيمة التحويلات المالية لدى الشباب الذين يملكون مستوى تعليميا عاليا، وكذلك بالنسبة إلى المهاجرين الحاليين المقيمين بأميركا الشمالية وبلدان المجهر التقليدية، وذلك في ارتباط بمدى ارتفاع مستوى الدخل.
ويبقى المستفيد الأول من تحويلات المهاجرين المغاربة هم الآباء، متبوعين بالأزواج والأطفال، إذ أن تسعة أعشار هذه التحويلات تستغل في النفقات العادية لأسر الارتباط في المغرب.
ومع توقع انتعاش النمو الاقتصادي العالمي في سنتي 2021 و2022 من المنتظر أن تزداد التحويلات إلى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بنسبة 2.6 في المئة لتصل إلى 553 مليار دولار خلال السنة الجارية، وبنسبة 2.2 في المئة في السنة المقبلة لتبلغ 565 مليار دولار.
وكالات