عادت أنظار مزارعي الجزائر لتتوجه إلى السماء، فيما تتخبط مشاعرهم بين خوف من تواصل مسلسل الجفاف، وبين تفاؤلٍ بنهاية كابوس شح الأمطار الذي أرق فلاحي الجزائر منذ قرابة شهرين ونيف، وسط تذمرهم من ضعف الإعانات الحكومية.
ولم تشهد أشهر ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني، وحتى فبراير/ شباط الحالي، تساقطاً لقطرة واحدة من الأمطار، التي تراجعت منذ بداية الموسم الزراعي بنسبة فاقت 60 في المائة، وبنحو 80 في المائة في مقارنة مع الأعوام السابقة.
وتتزايد المخاوف في البلاد من تأثير الجفاف على الأمن الغذائي، مع هبوط الإنتاج الزراعي في مقابل ارتفاع الطلب في الأسواق المحلية على المنتجات الزراعية الموسمية. ويكشف الخبير التقني في الأرصاد الجوية عبد الحكيم بساطي أن “منسوب تساقط الأمطار في الأشهر الأخيرة لم يتعد 20 مليمتراً، في حين أن المعدل في السنوات ما قبل الماضية هو 100 مليمتر، أما عن فبراير الحالي فقد سجل تساقط الأمطار تراجعاً إلى 13 مليمتراً مقابل معدل في الماضي بلغ 71 مليمتراً، في حين أن التوقعات تؤكد استقرار النسبة طيلة الشهر الحالي، مقابل 111 مليمتراً كمعدل في نفس الفترة من السنوات الماضية”.
وحول السنة الحالية، يؤكد المتحدث ذاته لـ “العربي الجديد” أن “النسبة السنوية من المتساقطات لن تتعدى 300 مليمتر مقابل معدل سنوي بلغ 680 مليمتراً خلال عام 2017، و630 مليمتراً في 2018، و250 مليمتراً في 2019، ما يعني أن الجزائر تمر بسنة جافة جديدة تضاف إلى السنوات الأخيرة الماضية”.
وكانت وزارة الشؤون الدينية قد دعت الجزائريين لأداء صلاة الاستسقاء 3 مرات منذ بداية السنة الحالية، وذلك بعد التراجع الكبير لتساقط الأمطار في هذه الفترة التي تتميز في العادة بانخفاض حاد في درجات الحرارة، بالتزامن مع تساقط الثلوج في المناطق التي لا يتعدى ارتفاعها 1000 متر.
من جانبها، كشفت وزارة الموارد المائية الجزائرية عن انخفاض منسوب امتلاء السدود من 63 في المائة مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى 50 في المائة في الشهر الحالي. واستفادت البلاد من ارتفاع منسوب الأمطار التي تساقطت خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2021، قبل ارتفاع الاستهلاك حالياً بالتزامن مع قلة تساقط الأمطار والثلوج خاصة في المناطق الشمالية.
وكانت الحكومة قد أطلقت عملية دعم عمليات الري بالنسبة لجميع الفلاحين المنتجين للزيتون والتفاح والخضروات في البيوت البلاستيكية، بالإضافة إلى محاصيل الحبوب كالقمح والشعير، كذلك دعم الأعلاف، وذلك لمساعدة المزارعين في مواجهة مخلفات موجة الجفاف التي مست البلاد طيلة شتاء 2020. وطاول الدعم عملية الري والسقي بتقنية التقطير، وشراء مضخات الآبار، وتقدر كلفة الدعم للمزارع بحوالي 120 ألف دينار (900 دولار)، فيما بلغ دعم إقامة الأحواض المائية بغشاء بلاستيك 400 ألف دينار (2900 دولار)، كما سمحت الحكومة للمزارعين بحفر الآبار مجدداً، بعدما جمدت العملية السنوات الماضية.
ويجد المزارعون صعوبة في إخفاء قلقهم من انحباس الأمطار، التي تبني عليها الجزائر آمالاً كثيرة من أجل تجاوز الجفاف، وانتظار محصول وفير يعفي البلاد من الاستيراد الذي تفاقمت فاتورته، في ظل قلة المساعدات المالية وبطء إجراءاتها الإدارية.
وحسب الخبير الزراعي محمد تاج الدين لواجي فإن “شحّ الأمطار في الأشهر الأخيرة، شكّل عاملاً سلبياً بالنسبة إلى قطاع الزراعة بصفة عامة، خاصة أنّ أغلب المزارعين في الهضاب العليا (وسط البلاد) والمناطق الشمالية يعتمدون كثيراً على مياه الأمطار لتوفير سائر المنتجات الزراعية والمحاصيل المختلفة، وسيؤدي ذلك إلى فقدان كميات كبيرة أخرى من المحاصيل وحتى تراجع جودتها.
والجفاف يفرز انعكاسات أيضاً على الثروة الحيوانية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الثروة النباتية، وسيتسبّب في غلاء الأعلاف وندرتها، وحتى تفشي الأمراض وخسارة القطعان”. ويلفت الخبير لواجي في حديث مع “العربي الجديد” إلى “ضرورة إعداد دراسة استباقية لمخاطر ظاهرة الجفاف من خلال تقييم الحاجيات للمساحات المسقية أو الموجهة للثروة الحيوانية، فضلاً عن إحصاء شامل للهياكل والسدود ومقدراتها لحسن مجابهة الموقف”.
العربي الجديد