يحمّل التونسي عادل بن طراد الأحزاب والمسؤولين “الذين يفكرون في أنفسهم فقط” مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد الذي يغذي غضبا شعبيا عارما تجاه الطبقة السياسية، ويقول في محله في أحد أسواق تونس الشعبية إنه لذلك، يؤيد قرارات الرئيس قيس سعيد الأخيرة التي يخشى البعض أن تهدد الديموقراطية في البلاد.
ويقول الخمسيني من أمام محل الجزارة الذي يعمل فيه في سوق “باب الفّلة” في تونس، إن الوضع الاقتصادي ازداد تدهورا إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. لذلك، هو يساند بقوّة قرارات سعيّد تجميد عمل البرلمان لثلاثين يوما وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه وتجميع كل السلطات بيده.
وقد استفاد سعيّد في قراراته من الغضب الشعبي الكبير من الحكومات المتعاقبة التي عجزت عن إيجاد حلول للأزمة.
ويشير عادل الى أن تراجع ميزانية المواطن لم تعد تتحمل مصاريف اللحوم الحمراء، فلم يعد التونسيون يقبلون كما في السابق على شراء لحم الغنم. ويُضيف “خسرنا خلال عشر سنوات نصف زبائننا”. كما يرتفع عدد الزبائن الذين يريدون التسديد لاحقا، أو يفاوضون على الأسعار. وكانت زبونة تحاول خفض فاتورتها الى أقل من خمسة دنانير (1,30 دولار تقريبا).
ويقول عادل “لدينا العديد من الزبائن مثلها الذين كانوا يعملون في مقاه وفقدوا أعمالهم بسبب كوفيد”.
ويواجه عادل بدوره صعوبات للعيش براتب شهري يقدر ب 600 دينار (أقل من مئتي دولار) وبالكاد يكفيه لسداد إيجار البيت والفواتير. ويقول “كل الأسعار ارتفعت ما عدا الرواتب”.
ولم تتمكن تونس من حل مشاكل البطالة العميقة وتدهور البنى التحتية والتضخم، وهي مطالب ثورة 2011، ما خلّف مرارة لدى المواطنين الذين أملوا في أن تمنحهم الثورة حلولا لأوضاعهم.
ولم تتمكن الأحزاب ولا الائتلافات البرلمانية التي تعاقبت منذ العام 2011 من إقرار إصلاحات اقتصادية ضرورية، فيما فاقمت تداعيات الأزمة الصحية بسبب كوفيد-19 الوضع في البلد الصغير الواقع في شمال إفريقيا.
– “محاباة” –
وتناهز نسبة المديونية حاليا 100% من الناتج الداخلي الخام مقارنة ب 45% في العام 2010، كما تراجعت قيمة عملة الدينار التونسي 50% خلال العشرية الأخيرة. وتتعرض البلاد لضغوط متواصلة من المانحين الدوليين.
وتخوض تونس مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتجاوز مشكلة الديون، وتحاول نيل موافقة على برنامج تمويل هو الرابع خلال السنوات العشر الفائتة.
ويبدي مراقبون مخاوف من ألا تتمكن تونس من سداد ديونها على غرار ما حصل مع لبنان. ويزيد الفساد والمحاباة من تأزم الأوضاع في البلاد.
ويتهم المهندس هيكل مصباحي الذي كان يتجول في السوق، حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية والمتواجد في السلطة منذ 2011، بأنه “المسؤول الأول عن هذه الأزمة”.
وفقد إصلاحي خلال الثورة وظيفته في شركة ولم يتمكن من ايجاد وظيفة جديدة منذ ذلك الوقت. فسعى الى التأقلم مع الوضع وعمل في الحراسة وتراجع راتبه إلى الثلث.
ويقول بمرارة وهو ينتقي ملابس مستعملة معروضة للبيع “في السابق كان بإمكاني شراء ملابس جديدة”.
ويحاول هذا الأب الأربعيني لثلاثة أطفال باستمرار البحث عن عمل، “لكن عروض العمل فقط لأنصار النهضة”.
ويأمل في أن “تخرجنا” قرارت الرئيس قيس سعيّد “من هذا الوضع”، لأن مطالب الثورة ووعودها لم يتحقّق جلّها.
غير أن المنصف العاشوري يتحفظ على أداء سعيّد، ويقول بينما يقف قرب صناديق الخضار “الرئيس يقوم بانقلاب”.
ويتابع المتقاعد (66 عاما) “هو يقدّم وعودا جميلة وكثيرة، ولكن لن يتغير شيء”.
ويخلص أستاذ اللغة الإنكليزية السابق معلقا على التجاذبات السياسية في البلاد قائلا “الناس لا يرون تطورا لأوضاعهم ولا يتمتعون بالحرية التي جنوها من الثورة، الحرية لا تطعم الأفواه”.
فرانس 24