سرعت السلطات المغربية من وتيرة خطواتها لاستكشاف الفرص الواعدة باتجاه تطوير الصناعات المحليّة حتى تكون خالية من الانبعاثات الضارة، بما ينسجم مع الاتجاه العالمي بشأن البصمة الكربونية في سلاسل الإنتاج والإمدادات.
ويعني تحقيق الحياد الكربوني ألا تصدر دولة ما كمية من غازات الدفيئة المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري أكبر مما يمكنها امتصاصه، على سبيل المثال، من خلال غراسة الأشجار أو تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الغلاف الجوي.
وطوّر المغرب خلال السنوات الأخيرة استراتيجية للطاقات المتجددة بهدف الانتقال من بلد يستورد كل احتياجاته من النفط والغاز إلى منتج للطاقة المتجددة بغية تحقيق أمن الطاقة ومن ثم وضع خطة لاعتمادها في كافة المجالات الإنتاجية.
ويعكس المنتدى الدولي الأول للطاقات الصناعية، الذي ستحتضنه مدينة الدار البيضاء نهاية الشهر الجاري رهانات الرباط للتخلص من الكربون في صناعة الطاقة ورفع تنافسية الشركات الصناعية المحلية في ظل تركيز الحكومة على الانخراط في الجهود الدولية لمكافحة التغير المناخي وتقليص انبعاثات الكربون.
ويأتي تنظيم الحدث في سياق عالمي موسُوم بتحركات وجهود حثيثة قصدَ بلوغ الحياد الكربوني وتحقيق إقلاع اقتصادي وصناعي في مرحلة ما بعد الجائحة، تُنذر بمنافسة تجارية قوية.
وكان المغرب قد حدَّد لنفسه هدفا استراتيجيا لتغطية 52 في المئة من احتياجاته للطاقة من المصادر النظيفة بحلول 2030، في الوقت الذي تخطط فيه كلّ من أوروبا والولايات المتحدة لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 والصين في 2060.
وتهدف الرباط إلى وضع قدرات إضافية لإنتاج الكهرباء بإجمالي 6 آلاف ميغاواط من مصادر الطاقة الريحية والمائية والشمسية.
ويقول الفاعلون في قطاع الصناعة المغربي إن تطوير نشاط الشركات ضمن إطار تقليص الانبعاثات الضارة سيدعم نمو الأعمال كما حدّدَتها آلية ضبط الكربون على حدود الاتحاد الأوروبي الذي يظل الشريك الاقتصادي الأول للبلاد.
ويرون أن المنتدى سيكون فرصة لاستعراض المشكلات الصعبة التي باتت تطرحها فاتورة الطاقة المرتفعة للمغرب، لأن هاتين القضيتين لهما ارتباط وثيق ومباشِر مع القدرة التنافسية للشركات الصناعية وبالتالي للاقتصاد.
ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى هشام الرحيوي، الرئيس المؤسس للمنتدى الدولي للطاقات الصناعية قوله “لا نزال مقتنعين بأن ضريبة الكربون التي يوشك أن يفرضَها الاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون الحافز الذي سيُحوّل شركاتنا نحو استعمال مزيج متنوّع من مصادر الطاقة”.
وأضاف “تلك الخطوة ستكون لها ميزة مزدوجة تتمثل في خفض فاتورة الطاقة بشكل كبير ومنحها قدرة تنافسية دولية لا مثيل لها، خاصة وأن المُصنّعين المغاربة بدأوا في اتخاذ الإجراءات الكاملة واللازمة لإزالة الكربون”.
وثمة قناعة لدى خبراء الاقتصاد بأن الشركات عليها أن تعتبر أن التحول إلى اعتماد البصمة الكربونية لم يعُد مجرد فرصة بل أصبحت ضرورة حتمية يجب أن يتكيفوا معها بشكل مطلق، تفاديا لإضاعة عقود من الجهد والاستثمار.
وقال الرحوي إن «إنجازات التصنيع تظل على المحك من خلال هذا الطريق الإلزامي نحو إزالة الكربون في الصناعات”.
وأوضح أنه من هنا تأتي أهمية هذا المنتدى، الذي سيسمح للصناعيين المغاربة بتحديد القضايا وتدارس الرهانات لإزالة الكربون، والتعرف على الممارسات الدولية في هذا المجال لمواجهة كافة التحديات المستقبلية.
وأحد التحديات بالنسبة للمغرب هو كيفية التحوّل من إنتاج الطاقة إلى اقتصاد الطاقة وصناعة الطاقة، ولهذا تركز الحكومة على أربعة قطاعات ذات أولوية لتجسيد الخطة.
وتأتي المباني والإنارة والصناعات والمواصلات التي تتبع الدولة أو القطاع العام في صدارة تلك الخطة المستقبلية.
وتعمل شركة الاستثمارات الطاقية المملوكة للدولة كمزود لخدمات الطاقة عبر تيسير تنفيذ مشاريع النجاعة الطاقية لفائدة القطاعين العام والخاص والمساهمة في تعزيز المنظومة المحلية.
كما تبذل الوزارة المعنية بقطاع الطاقة جهودا في هذا المضمار مع تشجيع الإدارات الحكومية على أن تصبح نموذجا يحتذى، وكذلك تقاسم رؤية الوزارة من أجل إضفاء طابع عملي على هذا المسعى.
وخصصت الدولة طيلة السنوات الأخيرة نحو 400 مليون درهم (42 مليون دولار) لدعم أكثر من 500 باحث و12 مختبرا من مختلف جامعات البلاد.
وإلى جانب ذلك، فإن جزءا من ذلك الدعم خصص لتفعيل مشاريع واعدة في مجال الطاقات المتجدّدة من خلال بناء وحدات للإنتاج الصناعي والبنيات التحتية ذات الصلة بالبحث العلمي والتكنولوجي.
وبدأت الدول الصناعية مضطرة اليوم لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة في دول أخرى مثل المغرب لشراء البصمة الكربونية التي توفرها مشاريع طاقة الشمس والرياح رغم أن البلد ينتجها ويستهلكها.
ويؤكد المدير العام للوكالة المغربية للنجاعة الطاقية سعيد ملين أن انخفاض تكلفة التجهيزات التي تعمل بالطاقة البديلة يمكّن من تحقيق تنافسية كبيرة مقارنة مع التجهيزات التي تعمل بالغازوال والشبكة الكهربائية أو غاز البوتان.
وفي ضوء ذلك يصبح استرداد الاستثمار ممكنا في مدة معقولة تتراوح بين ثلاث وست سنوات مقارنة بالتجهيزات المشتغلة الأخرى، مع الأخذ بالاعتبار أن العمر الافتراضي لجهاز الضخ الشمسي يصل إلى 20 عاما.
وأكدت نتائج استعمال الطاقة الشمسية على نطاق واسع، باعتبارها طاقة نظيفة ومستدامة، أنها تمكن المغرب من تقليص انبعاث ثاني أوكسيد الكربون ومختلف الغازات الدفيئة، وتطوير اقتصاد أخضر مرتبط بكل المجالات الصناعية.
العرب