نرجو أن تكون السنة الفلاحية الحالية جيدة ومنتجة كما سابقتها” يقول الفلاح عبد الرحيم اللماح، وهو الذي بدأ عملية قلب الأرض وحرثها وتنقيتها من الأعشاب الضارة في انتظار ما ستجود به السماء.
لم يُخفِ الفلاح المنحدر من إقليم بني ملال المعروف بحقوله الشاسعة أن التأخر الحاصل في التساقطات المطرية خلق نوعاً من التخوف لدى عموم الفلاحين والمزارعين، لافتاً إلى أن تساقط الأمطار في القريب العاجل من شأنه أن ينعش الأراضي ويغني الفرشة المائية ويعيد الماشية إلى المراعي، ليختم المزارع حديثه لـ “القدس العربي” داعياً “اللهم أغثنا وارحمنا”.
وخلال الأيام القليلة المنصرمة، شهدت عدد من مناطق المغرب، خاصة الجنوب الشرقي ومنطقة الريف، بداية تساقطات مطرية وثلجية خفيفة قد تنبئ ببداية موسم الأمطار وانتعاش آمال الفلاحين المزارعين المغاربة.
وعلى غرار الموسم الفلاحي المنصرم الذي مر في ظروف جيدة، تجري الاستعدادات حالياً لضمان انطلاق وسير الموسم الفلاحي 2021- 2022 في أحسن الظروف، إذ صرَّح وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، بأن الموسم الفلاحي 2021-2022 سيكون “واعداً لا سيما أنه يأتي بعد سنة فلاحية ممتازة”، حيث فاق نمو الناتج الخام الفلاحي 17 في المئة، مبرزاً أنه من المتوقع أن يبلغ الناتج الخام الفلاحي خلال الموسم الحالي 128 مليار درهم.
ويعتبر القطاع الفلاحي أحد أهم ركائز الاقتصاد المغربي، حيث يساهم بـ 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فُرَص عمل لفئة واسعة من السكان النشيطين.
الحكومة المغربية أعلنت عن اتخاذها مجموعة من التدابير بهدف ضمان نجاح الموسم الفلاحي 2021- 2022، إذ تعمل الوزارة الوصية على الإعداد المسبق للموسم الفلاحي، وتسهر على اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان انطلاقه ومُروره في أحسن الظروف، مع توفير مدخلات الإنتاج بكميات كافية سعياً لتغطية حاجيات الفلاحين من البذور المختارة المدعمة والأسمدة، ومواد وقاية النبات.
وزارة الفلاحة أعلنت عن مواكبتها للفلاحين والمستثمرين، بالإضافة إلى توسيع مساحات التأمين الفلاحي وتعزيز التمويل الفلاحي، وتسريع وتيرة التحفيظ الجماعي المجاني لصغار الفلاحين.
وفي انتظار انطلاق الموسم الفلاحي الجديد، تعمل الحكومة المغربية على ضمان التزويد العادي والمستمر للأسواق المغربية بكافة المواد الغذائية والفلاحية بأسعار معقولة وفي متناول المستهلك، وذلك بوضع برنامج محكم لتوزيع الزراعات الخريفية عبر الجهات، مع مراعاة حالة الموارد المائية وتقلبات الظروف المناخية خلال الفترة الخريفية.
وأكدت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أن الأسواق في جميع جهات المغرب تشهد توفر ما يكفي من المواد الغذائية والفلاحية التي تستجيب لحاجيات المستهلك.
ويرى بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن الأمور تكون على خير ما يرام حين تهطل الأمطار بالمغرب، وهذا ديدن البلاد منذ سنوات طويلة، لافتاً إلى أن السنة الفلاحية المنصرمة كانت جيدة على الرغم من دخول المغرب في دورة الجفاف التي كانت تحل مرة في 20 عاماً، والتي أصبحت تحل مرة كل 10 سنوات.
وأبرز أن العاهل الراحل الحسن الثاني اعتمد سياسة السدود التي أتت أكلها، وبفضلها استطاعت البلاد تحقيق اكتفاء على مستوى المواد الغذائية والفلاحية بل واستطاعت تصدير منتجاتها صوب عدد من الدول.
وتعليقاً على تأخر هطول الأمطار وإن كان الأمر سيضر بالسنة الفلاحية، قال رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك: “باعتباري فلاحاً كذلك، فإني أستطيع القول إن السنوات التي تهطل فيها الأمطار خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني يحل الجفاف شهري فبراير/ شباط ومارس/آذار، ودائماً حين تتأخر الأمطار تكون السنة الفلاحية جيدة”، وفق تعبيره.
وأبرز المتحدث أن الفلاحين والمزارعين انطلقوا في عملية الحرث وتقليب الأرض وينتظرون الأمطار، متابعاً: “نتفاءل بأن تكون السنة الفلاحية جيدة على الرغم من تأخر الأمطار حالياً، إلا أن تأخرها أكثر من ذلك سيؤثر سلباً على الفلاحة والاقتصاد الوطني بِرُمَّته على اعتبار أن نصف الساكنة تقطن بالمجال القروي، وأن جُلَّ المواد الغذائية تأتينا من القرى”.
“شُح الأمطار وقِلَّتها سيؤثران على القدرة الشرائية والأسعار، إلا أن المشكل الأكبر ليس ارتفاع الأسعار، بل وفرة المنتوجات، وفي حال شحت المواد الغذائية الفلاحية تبدأ الخطورة”، يقول المتحدث.
وبالعودة إلى الموسم الفلاحي الماضي 2020-2021، والذي عرف مساراً استثنائياً على الصعيد المغربي، نتج عنه إنتاج جيد للحبوب وأداء جيد لمعظم قطاعات الإنتاج.
وزارة الفلاحة قالت إن هذا الأداء الجيد لا يعزى إلى التساقطات المطرية المهمة فحسب، بل أيضاً إلى تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى جعل القطاع الفلاحي رافعة ذات أولوية لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمغرب.
وترى الوزارة الوصية أن استراتيجية “الجيل الأخضر- 2020-203” أتاحت جيلاً جديداً من آليات المواكبة لإضفاء الطابع المهني على الفلاحة، لا سيما من خلال إصلاح برامج الإرشاد الفلاحي، وتعميم الخدمات الفلاحية الرقمية، وتعزيز مشاريع الجيل الجديد من الفلاحة التضامنية.
وبالإضافة إلى الجانبين الاجتماعي والإنساني، تهدف هذه الاستراتيجية إلى ضمان استدامة التنمية الفلاحية، من خلال مواصلة تنمية مختلف الفروع، عبر تدخلات أكثر استهدافاً وإعادة ترشيد الجهود إلى جانب عصرنة مسارات التوزيع، مما سيتيح للقطاع الفلاحي الاضطلاع بدوره كاملاً كمحرك لنمو الاقتصاد الوطني.
القدس العربي