يبدو أنّ العالم، اليوم، يقف عند نقطة تحوّل أو انعطاف، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بحيث أعلن روّاد الأعمال أنّ “العولمة باتت في تراجع”، ودقّوا ناقوس الخطر بشأن “حدوث الركود الاقتصادي من جديد”.
وتُعيد الحكومات، الآن، التفكير في كل جانب من جوانب سياستها الخارجية تقريباً، بما في ذلك التجارة والإنفاق الدفاعي والتحالفات العسكرية.
وألقت هذه التحولات ظلالها على تحوّل عميق آخر في نظام الطاقة العالمي. فعلى مدى العقدين الماضيين، أدّت الحاجة الملحّة إلى تقليل انبعاثات الكربون، وإلى إعادة تشكيل نظام الطاقة العالمي بالتدريج. والآن، نتيجة للحرب في أوكرانيا، عاد أمن الطاقة إلى الواجهة، وانضمّ إلى تغيّر المناخ باعتباره مصدر قلقٍ كبيراً لصنّاع السياسات.
وتتّجه البلدان نحو خيارين: إمّا التركيز على الداخل، وإنتاج الطاقة محلياً، والتعاون الإقليمي، وإمّا التحوّل نحو بناء تكتلات طاقة استراتيجية، الأمر الذي سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى تجزئة الطاقة. ومن المتوقع أن تتدخّل الحكومات في هذا القطاع على مستوى غير مسبوق.
وتُدرك الحكومات الغربية، الآن، بعد 4 عقود سعت خلالها إلى كبح نشاطها في أسواق الطاقة، الحاجةَ إلى أداء دور أكثر اتساعاً، بدءاً ببناء البنية التحتية للوقود الأحفوري، إلى التأثير في مكان شراء الشركات الخاصة للطاقة وبيعها، والحدّ من الانبعاثات من خلال تسعير الكربون.
ووصفت البلدان الأوروبية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بأنّها “النسخة الأوروبية من 11 أيلول/سبتمبر”؛ الحدث الذي سيطر على المشهد الدولي، وأدّى إلى نشوء نظام أمني جديد، سيطر على المشهد الدولي مدة 20 عاماً.
وسيتم تحديد نظام الطاقة الجديد من خلال الضرورات المزدوجة لأمن الطاقة والعمل المناخي. فالسعي وراءهما في الوقت نفسه، من دون السماح لأحدهما بالمساومة مع الآخر، سيتطلّب تسخير قوة الأسواق، لكنّه يستدعي أيضاً دوراً أكبر للحكومة من أجل الاستفادة من تلك الأسواق وتشكيلها وتوجيهها، فضلاً عن تصحيح الإخفاقات.
ومن دون تدخّل الحكومات، سيعاني العالم انهياراً في أمن الطاقة، أو الآثار السلبية لتغيّر المناخ، أو كليهما.
وقال مدير وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، في 23 أيار/مايو، إنّ أزمة أمن الطاقة، والتي احتدمت منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، “لا يجب أن تؤدي إلى اعتماد أكبر على الوقود الأحفوري”.
وأضاف بيرول أنّ “توجيه الاستثمارات الصحيحة”، وخصوصاً في مجال الطاقة المتجددة والطاقة النووية، يعني أنّ “العالم في غنىً عن الاختيار بين النقص في الطاقة وتسريع وتيرة التغير المناخي، بسبب الانبعاثات الضارة، التي تنتج من استخدام الوقود الأحفوري”.