يعقد منتدى البلدان المصدرة للغاز، بداية من اليوم الخميس، على مستوى أعضاء فريق العمل رفيع المستوى، أحد أهم اجتماعاته في الجزائر العاصمة في الفترة ما بين 29 فيفري و2 مارس 2024، وهي قمة يتعين على أعضائها خلال الاجتماع تشريح وضع سوق الغاز العالمي، خاصة حالة عدم اليقين التي تميزه في الوقت الحالي، وبالطبع آفاق تطوره المستقبلي.
اعتبر وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب، أن الدورة السابعة لقمة رؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز، التي تنعقد بالجزائر (29 فيفري 2 مارس)، أنها “قمة التحديات الكبرى”، حيث ستركز على ملفات التعاون المشترك بين الدول المنتجة الرئيسية بهدف ضمان استقرار أسواق الغاز العالمية، ومواجهة التحديات التي قد تواجه الطلب على هذا المصدر الطاقوي النظيف خلال المرحلة المقبلة.
وأوضح عرقاب، في حوار لوكالة الأنباء القطرية، أن “التعاون المشترك بين الدول المنتجة سيكون من أبرز الملفات المطروحة في جدول الأعمال ومحور اهتمام القمة، بحيث ستكرس المناقشات جل اهتماماتها لبحث آليات هذا التعاون لضمان الأمن الطاقوي العالمي، وأهمية تأمين العرض والطلب، وخدمة المصلحة المشتركة، عبر عقود تجارية طويلة الأجل وتعزيز الجهد المشترك في مجال الاستثمار وتمويل المشاريع المستقبلية”.
كما أشار الوزير إلى أن قمة الجزائر (29 فيفري إلى 2 مارس) ستبحث كيفية مواكبة الدول المنتجة للتحول العالمي نحو مصادر الطاقة المستدامة، بالتأكيد على الدور الإيجابي الذي سيؤديه الغاز الطبيعي في الانتقال الطاقوي، إضافة إلى التأكيد على “ضرورة حماية الأسواق العالمية للغاز من كل أنواع التدخلات والأطر التنظيمية التي من شأنها تغليب مصلحة طرف على آخر، التي قد تنتج على المدى المتوسط والبعيد الأضرار باستقرار وتوازن الأسواق وأمنها”.
وأفاد عرقاب أنه سيتم خلال هذه القمة “تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء حول التحديات والفرص المختلفة التي تواجه صناعة الغاز، لاسيما في إدارة العرض والطلب”، واصفا هذه القمة بـ “قمة التحديات الكبرى” بالنظر إلى الظروف والمتغيرات الهامة على المستويين الإقليمي والدولي.
وإلى جانب متغيرات وأزمات في أوروبا والشرق الأوسط على المستوى الإقليمي، أشار عرقاب إلى التحديات الدولية؛ على غرار تداعيات أزمة كوفيد-19، والتكيف مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ، في ظل تزايد الضغوط على تعجيل الحوار حول أهداف انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة والحد من استعمال الطاقة الأحفورية، مشيرا إلى الدور المتزايد للغاز الطبيعي في المزيج الطاقي العالمي، الأمر الذي يبرز، حسبه، أهمية عقد مناقشات مفصلة ودعم التعاون بين الدول المصدرة للغاز لضمان نجاح الانتقال الطاقوي.
وحسب عرقاب؛ فإن انعقاد قمة المنتدى بالجزائر “يمثل حدثا استراتيجيا ذا أهمية قصوى في مجال الطاقة، حيث ستسعى الجزائر إلى تعزيز الشراكة بين الدول من أجل الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالغاز، لتعزيز مكانتها والدور الذي يمكن أن تؤديه في إطار الحلول المستدامة للطاقة المستقبلية”، مشيرا إلى “العدد المتزايد” للدول المنتجة للغاز الطبيعي التي تسعى للانضمام إلى عضوية المنتدى للحصول على صفة “مراقب”. فيما تقدمت دول أخرى بطلبات للانضمام إلى عضوية المنتدى الكاملة، وهو ما يعكس، حسبه، “رغبة هذه الدول في الاستفادة من الفرص والمزايا التي يوفرها المنتدى للدول الأعضاء”.
التوجه لتحويل المنتدى إلى منظمة بنمط “أوبك +”
شهد السوق الغازي تطورات متسارعة، كما عرفت الصناعة الغازية العالمية وأسواقها، تطورات، دفعت أكبر الدول المنتجة لهذا المصدر الطاقوي الهام إلى الاقتناع بضرورة التكتل لتوحيد المواقف في المسائل الجوهرية المتعلقة بصناعة وتجارة الغاز، والدفاع عن مصالحها.
ومن أهم هذه المسائل التي تفرض التكتل بين هؤلاء المنتجين؛ ضرورة إيجاد أنماط تسعير للغاز الطبيعي تحفظ للمنتج سعرا جيدا، إضافة إلى إيجاد الآليات المناسبة التي تضمن تصريف الغاز المصدر من هذه البلدان المنتجة بطريقة لا تفرز منافسة بينهم تؤثر سلبيا على السعر.
تحديات السوق الفورية “سبوت”
سوق “سبوت” للغاز هو سوق يتم فيه تداول الغاز الطبيعي بشكل فوري وفي الوقت الحقيقي، بدلاً من التعاقدات طويلة الأجل. يمكن أن تواجه الدول المصدرة للغاز تحديات عدة في هذا السوق، منها تقلبات الأسعار الناتجة عن العرض والطلب، والتغيرات الجيوسياسية التي يمكن أن تؤثر على سياسات الطاقة والتجارة. كما يمكن أن تواجه هذه الدول تحديات في تحديد الكميات المناسبة للتصدير وتحديد الأسعار التنافسية في سوق “سبوت”.
تحدي الغاز الصخري على سوق الغاز التقليدي
يؤكد الخبراء بأن تطوير الغازي الصخري يمثل تحديا لمنتجي الغاز التقليدي؛ فإلى جانب حيازة الصين لأكبر احتياطي من الغاز الصخري، فإن التطور الذي عرفه إنتاج الغاز الصخري بأمريكا الشمالية، برز كتحدي، فمنذ بداية الاستغلال المكثف للغاز الصخري في 2007 والنفط الصخري في 2010، أضحت الولايات المتحدة تمثل أهم منتج للنفط والغاز بمستويات عالية، متجاوزة العربية السعودية وروسيا بعد فترة 2015 و2016. وأدخل الغاز الصخري عوامل تشكل تحديا ورهانا، بخصوص التوازن بين العرض والطلب، حيث أن زيادة إنتاج الغاز الصخري أدت إلى زيادة العرض العالمي للغاز الطبيعي. وهذا التوازن بين العرض والطلب قد يؤدي إلى فائض في السوق وتأثيرات على أسعار الغاز، فقد أضحت الولايات المتحدة من بين أهم مصدري الغاز إلى أوروبا، أحد أهم الأطراف المستهلكة.
وبرز من ثم عامل الأسعار والتنافسية؛ بحيث أن زيادة الإمدادات من الغاز الصخري قد تؤثر على أسعار الغاز الطبيعي العالمية وتنافسية السوق، وتأثير العروض الجديدة على أسعار الغاز تعتبر تحديات رئيسية لشركات الطاقة التقليدية.
بالمقابل، فإن هناك التحديات البيئية والمجتمعية؛ حيث أن عمليات استخراج الغاز الصخري قد تتسبب في تأثيرات بيئية سلبية، مثل التلوث واستنزاف الموارد المائية، وتلك التحديات تثير مخاوف المجتمع المحلي والمنظمات البيئية وتشكل تحدياً إضافياً لشركات الغاز الصخري، علما أن تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، تشير إلى مستوى إنتاج أمريكي للغاز الجاف بـ104.4 مليار متر مكعب في 2022، مقابل 101.5 مليار متر مكعب في 2021، و106.6 مليار متر مكعب في 2023. فيما قدر إجمالي الإنتاج الأمريكي بنحو 1000 مليار متر مكعب. وحسب تقدير موقع “فايزفوتر” المتخصص، فإن متوسط إنتاج الولايات المتحدة من الغاز قدر بنحو 914.6 مليار متر مكعب، مما يجعلها تحتل المرتبة الأولى عالميا، تليها روسيا بـ638.5 مليار متر مكعب، وإيران بـ250.8 مليار متر مكعب، ثم الصين بـ194 مليار متر مكعب.
في السياق نفسه، كشف وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب، في ديسمبر 2023، أن الجزائر أنتجت نحو 102 مليار متر مكعب من الغاز، منها 50 مليار متر مكعب موجهة للسوق الوطنية، والباقي للتصدير.
ويمكن أن تؤدي التكنولوجيا والابتكار دورًا حاسمًا في تحسين عمليات استخراج الغاز الصخري وتقليل التأثيرات البيئية السلبية، وكذا تطوير تقنيات الاستخراج الصديقة للبيئة، يمكن أن يساهم في تخفيف التوترات البيئية والاجتماعية، حسب خبراء، مما يدفع هذه الموارد إلى الواجهة.
بالمقابل، تواجه شركات الغاز الصخري تحديات قانونية وتنظيمية متعلقة بالتشريعات البيئية والموافقات الحكومية والرقابة، وكذا تغييرات في السياسات الحكومية والتشريعات قد تؤثر على قابلية الاستثمار والعمليات الاقتصادية لشركات الغاز الصخري.
يمثل تحدي الغاز الصخري توازنًا دقيقًا بين الفوائد الاقتصادية والتحديات البيئية والاجتماعية، ويتطلب حل هذه التحديات تعاونًا بين القطاع الخاص والحكومات والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى التركيز على التكنولوجيا والابتكار لتحسين العمليات وتقليل التأثيرات السلبية على البيئة والمجتمعات.
توسع دائرة الدول المنتجة للغاز
يجمع منتدى الدول المصدرة للغاز، أهم وأبرز البلدان المنتجة التي تحوز أكبر نصيب من الاحتياطي والمخزون الغازي، حيث تمثل دوله نحو 2/3 الاحتياطي، في وقت تشير فيه الإحصائيات الصادرة عن المركز الدولي للإعلام (سيديغاز)، إلى أن الاحتياطي العالمي المؤكد من الغاز الطبيعي قدر بنحو 205.507 مليار متر مكعب، مع تمركز في منطقة الشرق الأدنى بنسبة 40 بالمائة، وأوروبا 33 بالمائة، تحوز روسيا منها 23 بالمائة، إلى جانب دول مثل النرويج وهولندا وبريطانيا بدرجة أقل.
ماهية السعر المتوازن للغاز
اعتبر الخبير الدولي، جورج ميشال، أن مقولة “السعر المتوازن” تعني عمومًا السعر الذي يعكس التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط والغاز، ووراء هذه المقولة يمكن أن تكون هناك عدة مؤشرات وأهداف.
وأفاد الخبير أن هناك عامل المصلحة المشتركة، حيث يُعتبر السعر المتوازن مصلحة مشتركة بين المنتجين والمستهلكين؛ فهو يعكس توازن العرض والطلب ويساعد في تحقيق استقرار الأسواق وتجنب التقلبات الكبيرة في الأسعار. كما أن هناك عامل تعزيز الاقتصاد العالمي، إذ يعتبر الاستقرار في أسعار النفط والغاز أمرًا مهمًا للاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث يؤدي تقديم أسعار متوازنة إلى توفير بيئة مستقرة للاستثمارات والنمو الاقتصادي.
بالمقابل، فإن هذا العامل وراءه تحقيق الربحية للشركات المنتجة والاستدامة الاقتصادية، حيث يحاول السعر المتوازن تحقيق الربحية لشركات النفط والغاز، وفي الوقت نفسه الحفاظ على مستويات مناسبة من الطلب، مما يضمن استمرارية الإنتاج والاستثمار في هذا القطاع.
ومن حيث السياسات الاقتصادية والإستراتيجية، يستخدم بعض الدول المستهلكة مفهوم السعر المتوازن كجزء من سياساتها الاقتصادية والإستراتيجية، سواء أكان ذلك لضمان توفر الطاقة بأسعار معقولة للمستهلكين، أو لتقليل التأثيرات السلبية على الاقتصاد الوطني.
أما من يحدد السعر المتوازن، فهو نتيجة لتفاعل العوامل الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية في سوق النفط والغاز، ويتأثر السعر بعدة عوامل؛ منها العرض والطلب العالميين، وسياسات الدول المنتجة والمستهلكة، والتكنولوجيا المتاحة لاستخراج وتكرير النفط والغاز.
فيما يتعلق بسوق الحبوب والتكنولوجيا، قد يكون هناك مفاهيم مشابهة للسعر المتوازن، ولكن تختلف الديناميكيات والعوامل التي تحدد الأسعار في هذه الصناعات. كما أن سوق الطاقة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي والسياسات الدولية، ولذلك يتم التركيز على مفاهيم مثل السعر المتوازن بشكل أكبر في هذا القطاع. فبالنسبة لسوق الحبوب والتكنولوجيا، يختلف تقدير السعر المتوازن بناءً على ديناميكيات هذه الصناعات.. قد يكون هناك عوامل مشتركة مع سوق الطاقة، ولكن العوامل التي تؤثر على العرض والطلب والتكاليف تكون مختلفة.
أما بالنسبة لما إذا كان السعر الحالي متوازنًا أو رخيصًا أو باهظًا، يشير الخبير أن تقدير ذلك يعتمد على التحليلات الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية المحددة لكل فترة زمنية وظروف السوق فيها. ويعتمد التقدير على العديد من العوامل المذكورة أعلاه، التي يتم تقديرها وتحليلها بواسطة الخبراء والمحللين في السوق. لذلك، لا يمكن تقديم تقدير دقيق دون تحليل شامل للعوامل التي تؤثر على السوق في الوقت الحالي.
ويتأثر السعر المتوازن في السوق بعدة عوامل، ومن بين هذه العوامل العرض والطلب؛ حيث تحدد عمومًا القوى السوقية لعرض وطلب المنتجات سعرها المتوازن. إذا كان العرض مرتفعًا والطلب منخفضًا، فمن المرجح أن ينخفض السعر، والعكس صحيح أيضًا.
كما أن هناك التكاليف الإنتاجية، بحيث يؤثر حجم الاستثمارات التي تنفقها الدول المنتجة للغاز على تكاليف الإنتاج، ويمكن أن يؤثر هذا على تقدير السعر المتوازن. على سبيل المثال، إذا زادت التكاليف الإنتاجية، فمن الممكن أن يرتفع السعر المتوازن.
في السياق نفسه، نجد – حسب الخبير – التدخل الحكومي؛ بحيث قد تقوم الحكومات بتدخلات في السوق لتحديد الأسعار، سواءً عن طريق الضرائب، الحوافز، أو سياسات الإنتاج.
ويشار أيضا إلى التوقعات والأحداث الجيوسياسية، بحيث يمكن أن تؤثر التوقعات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية على السعر المتوازن. فعلى سبيل المثال، توترات في مناطق إنتاج الغاز قد تؤثر على الأسعار.
وبالنسبة لعوامل العرض والطلب العالمية، يتأثر السعر المتوازن للغاز بالعوامل العالمية؛ مثل الطلب العالمي على الطاقة والتوترات الجيوسياسية في مناطق إنتاج الغاز.