في السودان، أزمة قمح وخبز. رغم ذلك، تتكدّس أكياس القمح في منزل المزارع السوداني عماد عبد الله، بسبب الضائقة الاقتصادية التي تمرّ بها حكومة السودان التي تشتري عادةً محصوله سنوياً.
وانتهى عبد الله من حصاد محصوله منذ آذار/مارس، ووُعد بالحصول على 43000 جنيه سوداني (75 دولاراً)، لكل 100 كيلوغرام، وهو سعر تحفيزي حددته الحكومة للمزارعين لتشجيعهم على زراعة القمح، إلا أنّ جِوالات القمح لم تخرج من منزله الصغير الذي يقع قرب حقله في اللعوتة في ولاية الجزيرة جنوب الخرطوم.
وقال عبد الله، البالغ من العمر 45 عاماً، لوكالة “فرانس برس”: “مضى شهران منذ جمعت المحصول ولم يعد بإمكاني تخزينه في المنزل بعد الآن، إنه أمر يزعج عائلتي”، مردفاً: “كنا نمنح الحكومة المحصول كاملاً، ولم نضطر أبداً إلى إعادته إلى المنزل، خصوصاً أنّه ليس لدينا مخازن مهيّأة للاحتفاظ به”.
ويشاطر عبد الله في محنته آلاف المزارعين السودانيين الذين يزرعون القمح كجزء من مشروع الجزيرة الزراعي، وهو الأكبر نطاقاً في السودان.
وقال المزارع مضوي أحمد في ولاية الجزيرة: “لقد زرعت القمح هذا الموسم على مساحة 16 فداناً، وملأت 120 جِوالاً بكميات وصلت زنتها إلى 12 طناً”، متابعاً أنّ “البنك الزراعي وافق على شراء أقل من نصف الكمية التي أنتجها، وأخشى أن يفسد النصف الآخر قبل أن أجد زبائن له”.
ويوضح الخبير الزراعي عبد الكريم عمر أنّ القمح يمكن أن يحتفظ بصلاحيته لمدة تصل إلى عام ونصف العام عند تخزينه في صوامع بشرط الحفاظ على درجة الحرارة والرطوبة، إلا أنّه “يمكن أن يفسد في أقل من 3 أشهر إذا كان مكان التخزين غير ملائم”.
والشهر الماضي، نظم العشرات من مزارعي القمح في الولاية الشمالية احتجاجاً أمام البنك الزراعي بعدما رفض استلام حصاد محاصيلهم.
وساهم المشروع على مدى عقود في تغطية جزء من إجمالي احتياجات السودان من القمح البالغة 2.2 مليون طن سنوياً، إلا أنّ هذا العام لم تستطع السلطات السودانية شراء كميات القمح الكاملة، تاركة المزارعين يتدافعون لإخلاء مخازنهم.
ويعاني السودان، الفقير أساساً، من أزمة اقتصادية متفاقمة منذ نفذ قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان انقلاباً عسكرياً في 25 تشرين الأول/أكتوبر، أطاح فيه شركاءه المدنيين في السلطة بينما يمر السودان بفترة انتقالية بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير في 2019.
يذكر أنّ هذا الانقلاب دفع حكومات الدول الغربية إلى قطع المساعدات المالية عن السودان.
لن يزرعوه مجدداً
ومنذ العملية العسكرية وتداعياتها على أسعار الحبوب والوقود، تلوح أزمات غذاء في العالم، لا سيّما في بلدان تعتمد في وارداتها بشكل أساسي على الدولتين المتنازعتين.
وتشكل واردات الخرطوم من القمح من موسكو وكييف معاً بين 70 و80% من احتياجات السودان، بحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة العام الماضي.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، في آذار/مارس، أن يغطي إنتاج القمح المحلي هذا العام ربع احتياجات القمح في السودان فقط.
وقالت وزارة المالية السودانية، في وقت سابق هذا الشهر، إنّها ملتزمة تشكيل احتياطي استراتيجي من القمح يصل إلى 300 ألف طن، إلاّ أن مسؤولاً في البنك الزراعي في ولاية الجزيرة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال إنّ “البنك ليست لديه أموال حتى يشتري القمح هذا العام”.
وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق إنّ “المزارعين يطالبون الحكومة بشراء القمح وإذا لم تستجب، فلن يزرعوه مجدداً”.
وأردف مرزوق أنّ “توقف الحكومة عن شراء القمح كبّد المزارعين خسائر، خصوصاً أنّ الأسعار المعروضة من التجار الراغبين في الشراء تكون متدنية”.
ومع بدء موسم الزراعة الجديد، لم يتحمس المزارعون لتحضير أو حرث أراضيهم. وقال الباحث الزراعي عبد اللطيف البوني إنّ “المزارعين على أعتاب بداية موسم زراعة المحاصيل الصيفية ولا نشاهد تحضيراً للأراضي”.
ويخشى أحد مسؤولي منظمات المزارعين في ولاية الجزيرة كمال ساري أن يؤدي “إحجام المزارعين عن زراعة القمح إلى التأثير في توفير غذاء المواطن السوداني عموماً”.
ويتعرض السودانيون إلى موجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة، شملت الوقود والكهرباء والسلع الأساسية الأخرى، وبلغ معدل التضخم حوالى 200%.
وحذّرت الأمم المتحدة من أنّ أكثر من 18 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف سكان السودان، سيعانون من الجوع الحاد بحلول أيلول/سبتمبر.
والأسبوع الماضي، أفادت منظمة “أنقذوا الأطفال” بوفاة طفلين لأسباب تتعلق بالجوع في شمال دارفور في غرب البلاد.