تنامى عدد مواطن الشغل الشاغرة في تونس خلال السنوات الأخيرة ليصل إلى قرابة مئة ألف موطن، ما طرح تساؤلات بشأن إمكانية توظيف هؤلاء وتقليص نسب البطالة المتفاقمة، لكن الخبراء والمراقبين، فسّروا ذلك بغياب التكوين الحقيقي وضعف الأجور في بعض القطاعات والميادين.
وكشفت دراسة أجراها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بمشاركة ألف مؤسسة من القطاع الخاص أن 40 في المئة من رؤساء المؤسسات في تونس لم يدخلوا أيّ تغييرات على هيكلة مؤسساتهم في حين قام البقية بفتح انتدابات جديدة.
وقالت صفاء بن مبروك الباحثة والاقتصادية بالمعهد العربي لرؤساء المؤسسات في تصريح لإذاعة محلية، الجمعة، إن الدراسة أظهرت أن أربعين في المئة من أصحاب المؤسسات قاموا بتوظيف موظفين وعمال إضافيين طيلة العام الماضي، وأغلبهم من المؤسسات المتوسطة والناشطة في قطاع الصناعة، وأن 60 في المئة منهم واجهوا إشكاليات في التوظيف من بينها ندرة اليد العاملة ونقص الكفاءة”.
وأضافت بن مبروك أن “الدراسة أظهرت أيضا وجود 82 ألف موطن شغل شاغر في تونس، و60 في المئة منها خاصة بالعمال الأكفاء”، مشيرة إلى أن “معظم العمال الأكفاء يحالون في الوقت الحالي على التقاعد، ولا يوجد من يخلفهم من الشباب”.
وتابعت” الشباب التونسي يرفض مواطن الشغل في قطاع الفلاحة على سبيل المثال ومختلف الحرف والمهن الصغرى الأخرى، مما يضطر إلى انتداب أشخاص من دول أفريقية”.
ويرى خبراء الاقتصاد، أن هذه النتائج كشفت خللا كبيرا على مستوى سوق الشغل وإشكالا في ما يتعلق بالتدريب ومهارات الشباب الذين يرغبون في الوصول إلى أول وظيفة، فضلا عن وجود قطاعات لا تستقطب عمالا أكفاء، وتكتفي بتوظيف العمال العاديين.
وقال وزير التشغيل السابق فوزي بن عبدالرحمن “توجد أربعة ميادين فيها مطالب شغل لعمال عاديين وليس لعمال أكفاء، وهي قطاعات السياحة، والأشغال العامة والفلاحة والنسيج”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، ” كل قطاع من هذه القطاعات فيه مشكلة، على غرار الفلاحة وطبيعتها الموسمية، حيث أصبحت تستقطب اليد العاملة النسائية أكثر من غيرها، والنسيج والأشغال العامة قطاعان غير مثمنان”، لافتا “المؤسسات الاقتصادية مطالبة بتكوين الموظفين الجدد”.
وبخصوص عدم توظيف المؤسسات الاقتصادية للعمال العاطلين رغم وجود أماكن شاغرة أوضح وزير التشغيل السابق أن “القطاع العام معطل تماما، والقطاع الخاص هو الوحيد الذي يشغل 30 ألف عامل في السنة، فضلا عن وجود مطالب إضافية في سوق الشغل كل سنة تقدر بـ55 ألفا”. وتتوزع مواطن الشغل الشاغرة بين قطاعات صناعات النسيج والملابس والجلود والأحذية والتجارة، والصناعات الغذائية والمشروبات والأنشطة المتعلقة بخدمات الإدارة والمساندة وتصنيع المنتوجات الإعلامية والإلكترونية والكهربائية.
وقال الخبير الاقتصادي حسن بن جنانة لـ”العرب” إن “هذه المشكلة مطروحة منذ أكثر من عشر سنوات، والدراسات تقول إن عدد هؤلاء ما بين 100 و120 ألف موطن شغل”.
وفسّر تنامي هذا العدد بـ”كثرة حاجيات سوق الشغل وغياب التكوين خصوصا في بعض القطاعات مثل التكنولوجيا والفلاحة والتجارة، فضلا عن الأجور الزهيدة، فيخيّر العاملون الجلوس في المقاهي على العمل في هذه القطاعات”.
واقترح بن جنانة أن يتم “خلق مراكز تكوين تواكب العصر الحالي، وتوفّر الأجر الأدنى للعمال، علاوة على تغيير مجلة الشغل في تونس”، لافتا إلى أن “هذه المشكلة مطروحة منذ سنة 2004”.
وأفرزت نتائج المسح الوطني حول السكان والتشغيل للثلاثي الأول من هذه السنة، إحصاء 742.8 ألف عاطل عن العمل من مجموع السكان النشيطين مقابل 725.1 ألف عاطل عن العمل تم تسجيلهم خلال الثلاثي الرابع لسنة 2020.وارتفعت نسبة البطالة في تونس لتبلغ 17.8 في المئة خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، مقابل 17.4 في المئة في الثلث الرابع من سنة 2021 وفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء.
ورجحت السلطات التونسية أن تخسر السياحة أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار) ونحو أربعمئة ألف وظيفة، حسب رسالة وجهها البنك المركزي إلى صندوق النقد الدولي.
ولم تفلح الحكومات المتعاقبة في معالجة الأزمة المتفاقمة للبطالة بسبب ضعف تصوراتها السياسية والاجتماعية وغياب برامج واضحة، ما تسبب في خلق هوّة كبيرة بينها وبين المواطنين.
وفاقم الوضع الاقتصادي المتردي تبعا لتداعيات الأزمة الصحية، مشاكل البطالة في تونس، حيث تسبب غلق عدد من المؤسسات وإفلاس أخرى في إحالة عدد كبير من العمال على البطالة.
العرب