أعلنت الوكالة الفرنسية لتسيير واسترداد الأموال والممتلكات المحجوزة والمصادرة، عن استعدادها للتعاون مع الجزائر، وهو ما يعتبر خطوة لإنجاح مساعي السلطة الجديدة في الجزائر لاستعادة الأموال المنهوبة، وإقناع الرأي العام المحلي بجهودها، فضلا عن أنها رسالة طمأنة من باريس تجاهها قبيل زيارة منتظرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وكشف نيكولاس بيسون المدير العام للوكالة الفرنسية لتسيير واسترداد العائدات المحجوزة والمصادرة، عن “وجود تعاون بين الجزائر وفرنسا لبحث الإشكالات ذات الاهتمام المشترك”، دون أن يقدم تفاصيل أخرى حول مدى تقدم المسار الذي بدأته الجزائر لاسترجاع الأموال المهربة والمواطنة في فرنسا في شكل حسابات بنكية وعقارات.
وذكر بيسون خلال افتتاح أشغال الملتقى حول التحقيقات الاقتصادية والمالية المعقدة أن “الملتقى سيسمح للسلطات الجزائرية باتخاذ إجراءات أكثر فعالية لمكافحة ظاهرة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة لصالح الشعب”.
وتعد فرنسا من بين الوجهات المفضلة للنخب المالية والسياسية الجزائرية لتوطين أموالها وممتلكاتها، كما كانت محطة للثروات المهربة من طرف ما يعرف بـ”الأوليغارشية”، ولذلك ظل موقف السلطات الفرنسية حاسما في قضية الأموال الجزائرية المنهوبة، خاصة خلال العقدين الأخيرين اللذين أدار فيهما نظام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة شؤون البلاد.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد تعهد خلال حملته الانتخابية في 2019 باستعادة الأموال المنهوبة والمهربة، وصرّح للعديد من وسائل الإعلام أنه يعرف موطن تلك الأموال ويملك مخططا لذلك، إلا أنه إلى حد الآن لم يعلن عن أي شيء من هذا القبيل رغم استفاد الرجل لنصف ولايته الرئاسية.
ولا يزال الشارع الجزائري الذي انتفض في 2019 ضد “الفساد السياسي والمالي” وطالب بتغيير سياسي شامل في البلاد، يجهل حجم الأموال المهربة ومصيرها، والتي أحجمت السلطة لحد الآن عن الكشف على أي بيانات بشأنها.
واكتفى الرئيس تبون في 2019 بتقديرها بالعشرات من المليارات، أما بعض التقديرات فقد ذهبت إلى 300 مليار دولار على اعتبار أن تضخيم الفواتير كان يقدر بـ30 في المئة من حجم القيمة الحقيقية للواردات.
ومن جهته، كشف وكيل الجمهورية المتخصص في الجرائم المالية جون فرانسوا بوهنير، في الملتقى المذكور أن “الجزائر تسعى للبحث عن استغلال أمثل للإجراءات القانونية، وأنه قد صدر نص قانوني في فرنسا يسمح بإعادة الأملاك المصادرة نحو البلد الأصلي وهو ما لم يكن متاحا من قبل”.
وبحسب المصدر ذاته فقد كانت تلك الأملاك المصادرة تدخل إلى خزينة الدولة الفرنسية. ويضيف نفس المصدر أن إعادة الأموال والأملاك نحو البلد الأصلي يكون على شكل تمويل لدعم التنمية، وهو ما يفتح آفاقا جديدة للتعاون المشترك.
وذكر المدير العام للديوان المركزي لقمع الفساد مختار لخضاري أن “الجزائر عازمة على وضع كل الآليات التي تعزز مكافحة الجرائم الاقتصادية، وأن هذا الملتقى التكويني الذي ينشطه خبراء جزائريون وأوروبيون متخصصون في مجال التحقيقات المالية والاقتصادية، يهدف إلى تبادل التجارب بخصوص الجرائم المالية وفي مجال تسيير المحجوزات والعائدات الإجرامية”.
وأضاف “الجزائر عازمة على وضع كل الآليات التي تعزز مكافحة الجرائم الاقتصادية، بالموازاة مع كل الجهود المبذولة في مجال خلق بيئة سليمة ونظيفة للاستثمار، كما أن الحضور الكبير للخبراء من الخارج في هذا الملتقى دليل على عزمنا المشترك على مكافحة هذا النوع من الجرائم”.
وتأتي التطمينات الفرنسية حول أفق تعاون إيجابي مع مساعي الجزائر لاستعادة أموالها، في خضم الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس ماكرون للجزائر، يعول عليها لتكون تحولا لافتا في علاقات البلدين بعد أشهر من الفتور والتوتر، وستكون فرصة للفرنسيين لإثبات نواياهم لنظرائهم على جدية الصفحة الجديدة.
وفيما أعلنت وزارة العدل الجزائرية عن تأميم ما يعادل نحو مليار دولار من الأموال والممتلكات التي قرر القضاء مصادرتها من طرف مال وأعمال يقضون منذ سقوط نظام بوتفليقة عقوبات بالسجن، فإن العملية تبقى غير مجدية لحد الآن بالنسبة إلى تلك المواطنة في عدد من المدن والعواصم الغربية والعربية.
ويرى خبراء قضائيون أن العملية تعترضها عدة معوقات دبلوماسية وقضائية مع حكومات تلك الدول، وتتطلب جهودا ووقتا إضافيين وناجعين هما في غير صالح السلطة، لأن تعهداتها السياسية للجزائريين أمام محك صعب وأي تأخر سيزيد من أزمة الثقة المفقودة بين الطرفين.
وكانت تقارير فرنسية قد تحدثت عن تهريب 50 مليار دولار من نخب سياسية ومالية مقربة من طرف الرئيس السابق على مدار 15 عاما، وهو ما يجعل فرنسا في صدارة وجهات الأموال الجزائرية المهربة والمنهوبة.
صحيفة العرب