نشرت وكالة بلومبرغ الأمريكية تقريرا مطولا تحدثت فيه عن تطور الأحداث في تونس والمخاوف من التحول إلى ديكتاتورية، بعد تضاؤل الحريات وانهيار الاقتصاد وزياد الغضب في الشارع.
وبدأت الوكالة تقريرها بالإشارة إلى اعتقال الصحفي المعروف ومقدم البرامج التلفزيونية عامر عياد بعد أن انتقد الرئيس التونسي وإجراءاته الأخيرة.
وقالت إن الشرطة اعتقلته من منزله بلباس البيت أمام زوجته وأبنائه الصغار، واقتادته لمحكمة عسكرية حيث وجهت إليه تهمة التشهير بالرئيس قيس سعيد والإضرار بمعنويات الجيش. وبقي عياد في السجن لـ7 أسابيع، حيث قال “عندها عرفت أن الانقلاب بدأ بتطبيق مشروعه الديكتاتوري”.
وكان عياد انتقد الرئيس التونسي خلال برنامج “حصاد24″، بالقناة التلفزيونية الخاصة “الزيتونة”.
واستشهد الإعلامي بقصيدة “جرأة” للشاعر العربي أحمد مطر، من أجل انتقاد سياسات رئيس البلاد.
وأفرجت السلطات لاحقا عن عياد، وعاد إلى منزله في بلدة المنستير الشمالية، في انتظار المحاكمة ومُنع من السفر.
ونفى سعيّد أنه يسعى لحكم الرجل الواحد وتعهد بحماية الحريات. ومع ذلك، فقد اعتبر الكثيرون معاملة عياد بمثابة تحذير لدولة الديمقراطية الوليدة في تونس، وهي واحدة من الإنجازات القليلة المستمرة لانتفاضة 2011 الشعبية التي أطاحت بديكتاتور قديم.
وبعد فوز ساحق في الانتخابات عام 2019، يُتهم أستاذ القانون السابق بسحق الثورة والاستيلاء على السلطة وقمع المعارضة، بشكل يعيد أصداء أيام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وفقا للوكالة.
ودافع سعيّد، وهو شخصية “متشددة” يلقي خطاباته بلغة عربية رسمية، عن تحركاته في يوليو/تموز الماضي، والتي قال إنها ضرورية “لإنقاذ البلاد من الفوضى والفساد”.
وقال سعيّد، الخميس، في بروكسل ردا على اتهامه بأنه ديكتاتور “مثلما قال الجنرال (شارل) ديغول (رئيس فرنسا الأسبق) ليس في هذا العمر أبدأ مسيرة ديكتاتور”.
ومع التضييق على الحريات وانهيار الاقتصاد، تهدد الاضطرابات بالانفجار في جميع أنحاء البلاد مرة أخرى.
وقالت الوكالة إنه وبعد أن احتفل التونسيون بحرية التعبير بعد ثورتهم، يمكن الآن لمنتقدي سعيد أن يواجهوا محاكمة لمجرد مشاركة منشور على فيسبوك، كما حدث لأحد المشرعين الذي كان في المحكمة هذا الشهر لوصف تحركات الرئيس بأنها انقلاب.
وتواجه الاحتجاجات الشعبية قمعا متكررا. وتضاعف عدد الاعتقالات السرية للمعارضين، بحسب هيومن رايتس ووتش.
يأتي ذلك في وقت عصيب لاقتصاد الدولة الواقعة في شمال أفريقيا من حيث السياحة والزراعة، حيث عانت لسنوات من سوء الإدارة إلى جانب جائحة فيروس كورونا التي دفعت السلطات إلى السعي للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، تحتاج إلى اتفاق سياسي بشأن التخفيضات المؤلمة التي تأتي مع المساعدات.
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8.8 ٪ في عام 2020 وكان التوسع محدودًا العام الماضي.
وحذر البنك المركزي من أن آفاق التعافي في 2022 “خجولة”. وسجل التضخم أعلى مستوى في أكثر من عامين في ديسمبر/كانون الأول.
وقالت الوكالة “يسعى سعيّد إلى اختراق المؤسسات الديمقراطية في تونس”.
وأعلن سعيّد في خطوة مفاجئة يوم 25 يوليو/ تموز الماضي تجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد.
وهذا الشهر، وقع سعيّد مرسوما باستحداث “المجلس الأعلى المؤقت للقضاء”؛ بعد أيام من إعلانه اعتزامه حل المجلس الأعلى للقضاء القائم.
وبعد ذلك وجهت الأمم المتحدة والقوى الغربية دعوة نادرة لسعيّد لاحترام استقلال القضاء لكن لم يكن هناك رد فعل دولي يذكر حتى الآن.
وبينما يوطد سلطته، يتخلى سعيّد عن زملائه القدامى ويصبح أكثر عزلة، وأعلن الرئيس التونسي عن تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية بالإضافة إلى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022
وقال يوسف الشريف، مدير مركز كولومبيا العالمية في العاصمة تونس، إن سعيّد أحاط نفسه بأشخاص أذكياء “لكن طبيعة حكمه التي لا يمكن التنبؤ بها تعيق استقلاليتهم في تنفيذ أي استراتيجية”.
وأضاف “أولئك الذين يفكرون في الاقتصاد ليسوا في أقرب دائرته”، بينما الشخصيات الأمنية والشرطة وخبراء القانون والنشطاء الذين دعموه موجودون.
وصدم نهج سعيّد، عبد الرؤوف بطبيب المستشار السابق الذي استقال في عام 2020، وانضم لاحقًا إلى حركة أطلق عليها اسم “مواطنون ضد الانقلاب”. وقال في مقابلة “لم أعد أعرف الرجل الذي عشت بجانبه منذ 40 عامًا”.
وحتى النائب مبروك كرشيد، الذي أحدث جدلا في عام 2021 بدعوته إلى حكم ديكتاتور لطيف لاتخاذ قرارات صعبة ودفع الاقتصاد إلى الأمام، يشعر بخيبة أمل.
وقال كورشيد “الرئيس لا يفكر في التنمية، إنه قادر فقط على خلق صراعات مع الآخرين”.
وأشار التقرير إلى أن سعيّد استفاد من معارضة شديدة الانقسام، حيث لم يتمكن حزب النهضة، أكبر حزب في البرلمان المجمد، من بناء تحالف مع الجماعات السياسية الأخرى التي تشاجر معها لسنوات مع ركود الاقتصاد.
وقالت مونيكا ماركس الأستاذة المساعدة لسياسة الشرق الأوسط في جامعة نيويورك بأبوظبي، إن الآخرين لا يريدون الارتباط بحركة النهضة.
اللاعب الوحيد الذي يمكنه حشد المعارضة، هو الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث لم يتخذ موقفًا ثابتًا من تحركاته. وقالت مونيكا “لقد مكنوه بطريقة ما”.
وبعد أكثر من عقد من ولادة تونس للربيع العربي، هناك خطر من اندلاع موجة أخرى من الغضب الحقيقي الواسع النطاق -خاصة إذا لم ينتعش الاقتصاد-.
وقال مقدم البرامج التلفزيونية عياد “ادعاء سعيّد بأن الناس معه كذبة كبيرة. هناك شارع آخر يريد شيئًا آخر”,