منذ بضعة أيام، بدأت وفود فلسطينية بالوصول إلى الجزائر، على أن تجري محادثات منفصلة تجريها اللجنة الجزائرية المُكلَفة بملف المصالحة مع كل فصيل على حدة، تمهيداً لإجراء حوار مشترك في ما بينها، بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون. وكأن التاريخ يعيد نفسه. فالجزائر لها باع طويل في احتضان حوارات المصالحة الفلسطينية، أهمها ما حصل في عاصمتها، عامي 1984 و1987.
ففي عام 1984، احتضن بلد المليون شهيد، مع شقيقه اليمني، حواراً فلسطينياً صعباً، أعقب انقساماً خطيراً في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، منذ خروجها من بيروت في أواخر عام 1982، مروراً بانشقاق واقتتال دموي داخل حركة فتح، ومن ثم توقيع اتفاق الكونفدرالية مع الأردن.
من يونيو حتى سبتمبر في ذلك العام، واصل وفدا حركة فتح والتحالف الديمقراطي، الذي كان يضم (الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، والحزب الشيوعي، وجبهة التحرير الفلسطينية)، حوارات ماراثونية في عدن والجزائر. وقد أفضت تلك الحوارات إلى إنجاز المصالحة، واستعادة وحدة منظمة التحرير الفلسطينية، مكللينها بالإعلان في الجزائر العاصمة، بما عرف بـ «اتفاق عدن – الجزائر».
لكن الانقسام عاد وتجدّد في عام 1985، وأخذ منحى أشد صعوبة، لتبدأ بعد سنة، الحوارات مرة أخرى، بين «فتح» وتحالف جديد في ذلك الوقت، أطلق على نفسه اسم «جبهة الإنقاذ الوطني». وتكللت سلسلة جلسات في براغ والجزائر وليبيا بالنجاح، ولتختتم بعقد دورة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر أيضاً، في أبريل 1987. تلك الدورة، التي كانت أحد العوامل المشجعة لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى (انتفاضة الحجارة) في ديسمبر 1987.
الحوار يتجدّد
اليوم، يأمل الفلسطينيون في نجاح الحوار بين فصائلهم الفلسطينية في الجزائر، لعلهم يتوصّلون إلى توافق يؤدي إلى طي صفحة الانقسام. مسؤولون فلسطينيون أكدوا، في لغة ليست جديدة، على ضرورة «العمل بروح الشراكة الوطنية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والعمل مع أصدقائنا في العالم للضغط باتجاه عقد مؤتمر دولي للسلام، يفضي إلى تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة».
منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة منتصف عام 2007، يعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي، بات مزمناً، فيما فشلت اتفاقيات وتفاهمات عدة، بجهود عديد من الدول العربية وروسيا أيضاً، في وضع حد لهذا الانقسام، الذي أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، في ظل غياب الخطاب الفلسطيني الموحد، والرؤية الفلسطينية المشتركة، حول المسار السياسي الذي يمكن دفع العربة الدبلوماسية فيه، فضلاً عن انعكاسات هذا الانقسام على الشارع الفلسطيني نفسه.
ومن الطبيعي، بعد هذه المسيرة الصعبة، والتجارب المريرة، أن يتساءل الفلسطينيون، إن كانت حوارات الجزائر ستعيد كتابة المصالحة الفلسطينية، بعد أكثر من ثلاثة عقود على نجاح سابق، أم يعودون إلى الحلقة المفرغة ذاتها؟.
الإجابة عن هذا التساؤل، تتوقّف على مدى توفر الإرادة عند الأطراف الفلسطينية، وليس على المكان الذي يحتضن اللقاء.