شهد عدد من الولايات (المحافظات) التونسية تحركات احتجاجية ليلية، في خطوة يرى مراقبون أنها تنذر باتساع رقعة الرفض الشعبي لقرارات السلطة وممارساتها خصوصا في ما يتعلّق بالوضع الصحي، ما يمهّد لاحتقان شعبي وشيك وانتقال عدوى الاحتجاجات إلى كامل أنحاء البلاد.
وقام العشرات من سائقي سيارات الأجرة بالتجمع في أحد شوارع العاصمة احتجاجا على قرار منعهم من العمل وصرخ أحدهم “يا حكومة ليس لنا مال للعيش. لن نقبل الجلوس في المنزل”.
وأغلقت قوات الأمن السوق المركزي بالعاصمة صباح الأحد وسط تذمر بضع العشرات من الأشخاص الذين يودون شراء المواد الغذائية والخضروات.
ونقلت وسائل إعلام محلية أن عددا من الأسواق في محافظات داخلية فتحت الأحد وسط اكتظاظ وازدحام، كما خاض بعض التجار مناوشات مع قوات الأمن.
ومع أول أيام الحجر الصحي الشامل تم خرق حظر التجوال الليلي بمدينة الكاف شمال غرب البلاد، من قبل عدد كبير من سيارات التاكسي وتجار الملابس الجاهزة والأحذية وبعض المهن الحرة كالحلاقين والمصورين الفوتوغرافيين والمقاهي.
وفتح عدد من التجار وأصحاب المقاهي محلاتهم، فيما حاولت قوات الأمن أن تثنيهم عن ذلك لكن دون جدوى. وتجمع أصحاب المتاجر أمام دكاكينهم رافعين شعارات مثل “لا خوف لا رعب السلطة بيد الشعب”.
وترى شخصيات سياسية أن رفض المواطنين للقرارات الصحية المتعسفة للحكومة وخروجهم الليلي للاحتجاج ينذر بتأزم الأوضاع في الأيام القادمة.
وأفادت النائب بالبرلمان ليلى الحداد أن “الاحتجاجات كانت متوقّعة مع تردي الوضع الاقتصادي والمالي، مدفوعة بالوضع الوبائي، وفشل الحكومة في اتخاذ قرارات مناسبة في علاقة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مقابل قرارات تخدم مصالح اللوبيات السياسية في المقام الأول ويدفع ضريبتها المواطن البسيط، لذلك تم عصيان هذه القرارات”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” “يبدو أن السلطات غير قادرة على فرض تطبيق هذه القرارات والهيمنة على هذه الاحتجاجات، والوضع الاقتصادي مازال سينذر بكثير من التدهور، والأمور قد تنفلت من يد الحكومة في أكثر من ولاية، ما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي كبير، في ظل ارتفاع حجم البطالة والفقر”.
وتابعت “لا يوجد انسجام وانسياق واضح بين الحكومة والمواطنين، والإطارات الأمنية أصبحت في الواجهة مع الفئات الشعبية، وهذا مؤشر على أن حكومة المشيشي ضعيفة وفاشلة، ورد فعل المواطنين هو دليل على أنهم لم تعد تعنيهم الحكومة وخروجهم البارحة ينبئ بمؤشرات خطيرة”، قائلة “هناك خشية كبيرة من التصدي بالقوة الأمنية للاحتجاجات، وهذا الصمت والرضوخ دليل على عدم قدرة الحكومة على تنفيذ القرارات”.
واستطردت الحداد “نهاية المشيشي قريبة والحزام السياسي للحكومة يتحمل معه المسؤولية، وأسباب الفشل توضع على الجميع”.
ومنذ منحها الثقة في سبتمبر من العام الماضي، رافقت الاحتجاجات الشعبية حكومة المشيشي، ومع كل مشكلة جديدة تصطدم بصعوبات كبيرة في حلحلتها، ما خلّف تراكمات لدى الفئات. ويتوقّع مراقبون بروز تحركات احتجاجية في أي لحظة بسبب تواصل ضعف الحكومة في إدارة الأزمات.
وأكّد المحلل السياسي نبيل الرابحي في تصريح لـ”العرب” أن الاحتجاجات الاجتماعية ليست بالعلم الصحيح، ويمكن أن تنطلق شرارتها في أي وقت”، قائلا “في 2008 وقت أحداث الحوض المنجمي بولاية قفصة، إلا أن الانتفاضة لم تعمّم، وفي 2010 أقدم شاب على حرق نفسه”.
وأضاف “تصرّف المجموعة ليس بالضرورة تصرف الأفراد والتنبؤ بالاحتجاج غير ممكن لكن وارد في أي لحظة بما أننا في حراك غير منظّم، ووقع في الأشهر الأخيرة إخماد بعض الاحتجاجات”.
وأردف “هناك حالة من الانفلات لأن الحكومة ضعيفة ولها أياد مرتعشة ومرتهنة بالتجاذبات السياسية بين الأحزاب، ومن الطبيعي أن ينتفض المواطن ويغضب، لكن مازلنا في إطار المطلبية والشعارات السياسية”.
ووصف الرابحي الوضع بـ”الضبابي”، مشيرا إلى أن “هناك ضغوطا سياسية مختلفة من قبل بعض اللوبيات على الحكومة التي تسعى لإرضائها”، متسائلا “إلى متى ستصمد هذه الحكومة في ظل التناحر السياسي القائم؟”.
وبرأي الرابحي فإن “انزلاق القدرة الشرائية للمواطن اليوم جعل الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (اتحاد الأعراف) يدعو إلى العصيان ضد قرارات الحكومة، عكس الاتحاد العام التونسي للشغل الذي قدّم مبادرة واضحة وظلّ ينتظر تفعيلها، لكن العبث السياسي في المشهد حال دون ذلك”.
وندّد عدد من التجار والباعة المتجولين بولاية القصرين بقرار الحجر الصحي الشامل الأحد، وطالبوا بمراجعة هذا القرار الذي أغرقهم في مشاكل مادية إضافية وفق تصريحاتهم لإذاعة محلية.
وتمسّك الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة بولاية باجة بالسماح للمهنيين بمواصلة العمل خلال الأيام التي تسبق يوم عيد الفطر، داعيا في بيان له إلى ضرورة تأجيل تنفيذ القرار إلى أول أيام العيد وأكد على تبني قرار المهنيين بمواصلة العمل إلى غاية يوم العيد مع احترام إجراءات البروتوكول الصحي.
ولم تعلن الحكومة إجراءات ومساعدات للمتضررين من الإغلاق التام. وتم حظر التنقل طوال فترة الحجر ما عدا في الحالات القصوى، وغلق دور العبادة ومنع التنقل بين المحافظات، فضلا عن حظر الاحتفالات والتجمعات.
وتسجل تونس منذ مطلع أبريل الماضي ارتفاعا في عدد الإصابات بالفايروس مع العشرات من الوفيات وأكثر من ألف إصابة يوميا. وسجلت في تونس إجمالا 11.350 حالة وفاة بالوباء ونحو 320 ألف إصابة.
صحيفة العرب