على الرغم من التطورات المتسارعة في ليبيا، المقبلة على انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، والأدوار التي يحاول أكثر من طرف إقليمي ودولي القيام بها في هذا الصراع، يغيب دور تونس في ليبيا على الرغم من أنها أكثر الدول تأثراً بمجريات الأحداث لدى جارتها وتداعياتها الاقتصادية على الاقتصاد التونسي الهش، في ظل سياسة حياد سلبي تنتهجها إدارة الرئيس قيس سعيّد، الممسك بالقرار التونسي منذ إجراءات 25 يوليو/ تموز الماضي وما تبعها من تعيين حكومة جديدة. وفيما كانت دول عدة تستحوذ على أدوار متقدمة في الملف الليبي، كان سعيّد يفوّت فرصاً عديدة في هذا المجال، ليتراجع دور تونس التاريخي والجيوستراتيجي.
وعن ذلك، قال الخبير في العلاقات الدولية، المختص في الشأن الليبي مهدي ثابت، في حديث مع “العربي الجديد”، إن استقرار الوضع في ليبيا يؤثر بشكل مباشر على تونس، وبالتالي فإن نجاح العملية الديمقراطية الليبية يخدم مصالح تونس على جميع المستويات.
واعتبر أن “تونس فوّتت فرصة التعاون الاقتصادي والاستثمار في ليبيا، مقابل دخول تركيا مثلاً بكل وزنها في ليبيا، وكذلك مصر التي استفادت كثيراً على الرغم من الدور السلبي الذي لعبته خلال الأزمة الليبية”، ولفت إلى أن “لا معنى لسياسة الحياد السلبي التي تتبنّاها تونس في العلاقة بليببا”، مشيراً إلى أن “الموقف الرسمي التونسي مخيب للآمال”.
أما الباحث المختص في الشأن الليبي البشير الجويني، فرأى في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “السياسة الخارجية التونسية الرسمية لم تكن على الموعد في ليبيا، سواء على المستوى الاقتصادي لجلب ما أمكن من مصالح، أو المساهمة في تجاوز القلاقل وحل الخلافات”، واعتبر أن “تونس كان يمكن أن تستفيد كثيراً، ولكن للأسف لم يتم ذلك بسبب انفراد الرئيس بالرأي وعدم الإنصات لمختلف الآراء والأصوات، سواء من داخل أجهزة الدولة أو من خارجها”.
وأضاف الجويني أن سعيّد “خرج عن الثوابت الدبلوماسية التونسية، وأصبحت السياسة الخارجية تدار بشكل هاوٍ وليس بالاحترافية المعهودة”، محذراً من تمترس تونس مع محور من دون آخر، لأن ذلك سيخسرها الكثير من المصالح، وقال “لست متفائلاً بشكل كبير بهذه السلطة الجديدة (السلطة التونسية بعد 25 يوليو) التي ليس لديها شرعية وهي غير قادرة على مجاراة تعقيدات الوضع في ليبيا وتقلباته”.
ولفت الجويني إلى أن “الموقف الرسمي التونسي في ما يتعلق بالانتخابات الليبية هو الوقوف على الحياد وعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي، ولكن هناك أطرافاً ربما يكون لديها حنين للاستبداد ولحكم العسكر”، معتبراً أن “خطأ السلطة التونسية أنها تنظر إلى ليبيا وكأنها مشكلة، في حين أن ليبيا هي حل، وهي عمق استراتيجي وتأمين للتجربة التونسية، مثلما أن تونس هي تأمين للتجربة الليبية، وهو ما لم يعه رئيس الجمهورية الذي كان تعاطيه تقليدياً وبشكل تقني وعبر خطابات جوفاء”، وأمل “مع عودة الديمقراطية، سواء في تونس أو في ليبيا، أن تعود العلاقة العادية بين السلطتين، علماً أن العلاقة الشعبية متواصلة ولم تنقطع في انتظار أن تلتحق الإرادة السياسية بالإرادة الشعبية”.
وشدد الجويني على أن “ديمقراطية وليدة وناشئة في ليبيا ستدعم الديمقراطية في تونس، ولكن بانتخابات على أساس قوانين وتوافق واسع بين مختلف الأطراف”، مضيفاً “أعتقد أن سلطة الأمر الواقع الاستثنائي في تونس والأمر الرئاسي 117 هي سلطة من دون شرعية حقيقية، ولا يمكن لكل الأطراف الداخلية وأساساً الخارجية أن تتعامل معها سواء بالندية أو بالجدية اللازمة، خصوصاً أن الحكومة وكل مكوناتها ليست إلا صدى وظل الرئيس الذي يمسك بيديه بمقاليد كل السلطة، فحتى وإن كانت نيته طيبة، فإنه لن يستطيع القيام بما يلزم، لأن العلاقة مع ليبيا أعقد بكثير مما يعتقد”.
موعد الانتخابات الليبية
وبشأن الوضع الليبي، رأى أن الانتخابات هي الحل الوحيد لكل المشاكل، لكنه أضاف “هل الانتخابات بهذا الشكل ومن دون قوانين منظّمة للعلاقات بين مختلف السلطات، ولا دستور ولا ضمانات حقيقية لعملية انتخابية ديمقراطية، أضمن للتداول المدني السلمي على السلطة؟”. وتساءل “عن قدسية موعد الانتخابات والدفع المحموم نحو إجرائها في 24 ديسمبر من دون توفير أسس صلبة لعملية انتخابية في بلد شهد صراعات وانقسامات لمدة 10 سنوات وينتشر فيه السلاح وخطاب جهوي وقبلي وتصحر سياسي بسبب 4 عقود من غياب العمل السياسي، فضلاً عن المدني والنقابي”. وتابع “ما جدوى إجراء الانتخابات في ذلك الموعد، وهي ربما تكون مهددة في اليوم التالي لإجرائها، مع رفضها من بعض الأطراف، ما يجعل الوضع أكثر سوءاً من الحالي، فالأسوأ من عدم إجراء الانتخابات في الموعد هو إجراؤها بلا إجماع على نتائجها وقبول من مختلف الأطراف”.
المصدر وكالات