جنحت السلطات الفرنسية إلى التهدئة في قضية التأشيرات التي كانت من بين الأسباب التي ساهمت في تأزيم العلاقات بين الجزائر وباريس، بعد قرار هذه الأخيرة بخفضها إلى النصف في سبتمبر المنصرم، ردا على ما اعتبرته عدم تعاون من قبل الجزائر في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين ممن استنفدوا إجراءات بقائهم على التراب الفرنسي.
وسئل وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، من قبل صحفيين في قناة “بي آف آم تي في” عن إمكانية لجوء السلطات الفرنسية إلى الضغط على الجزائر وجيرانها المغاربيين (تونس والمغرب)، فرد دارمانان على محاوريه، ملمحا إلى أن “الضغط عبر التأشيرة لم تكن نتائجه وفق ما كانت تأمله باريس”.
وفي لفتة فارقة، تحدث المسؤول الفرنسي عن اعتبارات أخرى تقف في طريق ربط التأشيرة بالتجاوب مع قضية الهجرة غير الشرعية، عندما قال “هناك علاقات صداقة مع هذه الدول”، في إشارة إلى كل من الجزائر وتونس والمغرب، وهو معطى آخر يدفع السلطات الفرنسية إلى مراجعة موقفها من قضية التأشيرة.
وزير الداخلية الفرنسي وعلى الرغم من العراقيل القانونية والتنظيمية التي تقف في طريق ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، إلا أنه تحدث عن وجود تقدم في هذا الملف الحساس، في خطاب بدا غير معهود على وزير الداخلية الفرنسي، الذي عرف بمواقفه المتشددة بخصوص قضية الهجرة، والتي اقتربت في أوقات سابقة من مواقف اليمين المتطرف، بزعامة مارين لوبان.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت باريس عن خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50 بالمائة، وهو القرار الذي لم تهضمه الجزائر، حيث خرج عمار بلاني، مستشار وزير الخارجية المكلف بقضية الصحراء والمغرب العربي، ليصف القرار بالـ”أحادي الجانب وغير المتناسب”، مؤكدا على أن “البعد الإنساني في الأساس يقع في صميم خصوصيات العلاقة الجزائرية الفرنسية والشراكة الاستثنائية التي تربط البلدين، لاسيما إدارة التدفقات البشرية التي تتطلب تعاوناً صريحاً ومفتوحاً موسوماً بروح الشراكة”.
وتحكم الجزائر وفرنسا اتفاقية شهيرة تمت مراجعتها أكثر منها، وهي اتفاقية 1968، التي تنظم تنقل الأشخاص بين البلدين، كما تعطي للجزائريين امتيازا دون سواهم من رعايا بقية الدول المغاربية، وهو الأمر الذي زاد من غضب الطرف الجزائري، لتدخل بعدها العلاقات الثنائية في أزمة كبيرة، بعد التصريحات غير المسؤولة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والذي زعم خلالها بعدم وجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي في عام 1830.
جنوح الطرف الفرنسي إلى التهدئة، يأتي في وقت بدأت العلاقات الثنائية تستعيد عافيتها، طبعها عودة التواصل بين الرئيسين الجزائري والفرنسي، بعد ما كان منقطعا تماما، إذ سبق للرئيس تبون، أن رفض الرد على اتصال هاتفي من ماكرون، وفق ما ذكرته صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، في عز الأزمة في نوفمبر 2021.
وقبل أقل من شهر تواصل الرئيس الفرنسي مع نظيره الجزائري على مرحلتين، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لعيد الاستقلال، وأعلن ماكرون قرب موعد زيارته إلى الجزائر تلبية للدعوة التي وجهها له الرئيس تبون، قبل أن يحدث تطور آخر تمثل في التوقيع على اتفاقيات في مجال الطاقة، تقضي بالرفع من حجم صادرات الغاز إلى فرنسا.
وقبل أقل من أسبوعين، استفاد العملاق الفرنسي الناشط في مجال الطاقة، “توتال إنرجي”، من صفقة مجزية مشتركة مع العملاق الإيطالي “إيني” والشركة الأمريكية “أوكسيدونتال”، لإنتاج النفط والغاز في حقل بجنوب شرق الجزائر، بقيمة تعادل أربعة ملايير دولار.
ومن شأن هذا التطور أن يساعد على إنجاح زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة إلى الجزائر، وهي الزيارة التي يراهن عليها الطرفان في إعادة العلاقات الثنائية إلى الاستقرار الذي سبق وأن عاشته على مدار سنوات.
الشروق