نعم كسبت جولة، لكن كيف تفوز بباقي الجولات؟ سيرتبط ذلك حتما بتحديد الهدف، فما الذي سعت الجزائر لتحقيقه؟ هل هو منع الإسرائيليين من دخول الاتحاد الافريقي؟ أم تحجيم التغلغل الصهيوني في القارة، بالنظر على الأقل إلى أن ستة وأربعين من أصل خمسة وخمسين عضوا في الاتحاد الافريقي باتوا يقيمون علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، لكن هل سيكون العرض المالي الذي قدمه الرئيس الجزائري الأحد الماضي بتخصيص مليار دولار لفائدة الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التعاون والتنمية، لتمويل مشاريع تنموية في الدول الافريقية كافيا لقلب الموازين؟
إن حادثة السبت الماضي طرحت أكثر من سؤال حول مصير العلاقات الافريقية الإسرائيلية، فمن منع الوفد الصهيوني الذي ترأسته يومها شارون بارلي نائبة مدير دائرة افريقيا في خارجية الكيان المحتل، من حضور الجلسة الافتتاحية للقمة الافريقية في العاصمة الإثيوبية؟ المغردون الجزائريون الذين تداولوا على تويتر وعلى نطاق واسع هاشتاغ «تم الطرد بنجاح» تفاخروا بما اعتبروه نجاحا باهرا لدبلوماسيتهم التي تمكنت من «إجهاض حضور ممثلي الكيان الصهيوني في أشغال قمة الاتحاد الافريقي»، كما كتبت صحيفة «الشروق» المحلية قبل أن تضيف أن «الوفد الجزائري المشارك في القمة تفطن لحضور وفد من الكيان الصهيوني في القاعة، ومارس ضغطا من أجل طرد دبلوماسيي الاحتلال من القاعة، كشرط لافتتاح الجلسة، أو إلغاء انعقاد القمة كلية في حالة بقاء هذا الوفد»، من دون الإفصاح عن مصدرها في ذلك.
لكن رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي موسى فكي، وحين سئل عن الموضوع فضل أن يختصر جوابه بالقول، إن الوفد طرد: «لأننا لم ندع مسؤولين إسرائيليين» إلى الاجتماع، على حد تعبيره. ولم يكن هناك شك في أن الإسرائيليين حاولوا التسلل إلى القمة الافريقية، بغض النظر عما إذا كان هناك من وجه لهم دعوة رسمية أم لا. وهذا قد لا يبدو غريبا بالمرة فقد اعتادوا على مثل تلك الأفعال في أكثر من مناسبة في السابق، إذ غالبا ما كانوا ينقضون على أنصاف الفرص التي تلوح أمامهم، بل حتى على الوعود التي ينتزعونها مرات بمكر ودهاء ليحولوها في ما بعد إلى تعهدات ملزمة لأصحابها، لا يمكنهم إنكارها، أو التملص من تبعاتها.
والسبت الماضي حصل في أديس أبابا شيء ما من ذلك القبيل. وكان مسمار جحا الإسرائيليين هو، القرار الأحادي الجانب الذي أخذه موسى فكي في يوليو 2021 بمنح إسرائيل صفة المراقب في الاتحاد الافريقي، الذي أثار حينها لغطا وحتى معارضة صريحة من بعض الدول الافريقية وعلى رأسها الجزائر التي قال وزير خارجيتها رمطان لعمامرة عنه في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية في فبراير من العام الماضي، إنه يمثل «خطأ مزدوجّا» الأول هو «منح صفة مراقب، من دون إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء في الاتحاد الافريقي، بما فيها الجزائر… القرار كان سيئا وكان من المفروض أن لا يتخذ». أما الخطأ الثاني فهو «ملاحظة أن هناك انقساما بين الدول الأعضاء بشأن هذه المسألة وتركها من دون تصحيح».
لكن اللافت في الردود التي تلت عملية إخراج المسؤولة الإسرائيلية من قاعة الجلسات، هو أنه في الوقت الذي سارعت فيه خارجية الكيان المحتل لإصدار بيان شديد اللهجة قالت فيه إنها «تنظر بجدية إلى واقعة طرد نائبة مدير الشؤون الافريقية السفيرة شارون بارلي من قاعة الاتحاد الافريقي، على الرغم من وضعها كمراقب معتمد وحصولها على شارة الدخول»، وإنها تحمّل المسؤولية عن ذلك إلى من وصفتهم بـ»عدد قليل من الدول المتطرفة مثل الجزائر وجنوب افريقيا، اللتين تدفعهما الكراهية وتسيطر عليهما إيران»، كما قالت. لتختتمه بدعوة «الدول الافريقية إلى الوقوف في وجه هذه الأعمال التي تضر بمنظمة الاتحاد الافريقي نفسه، من دون أن تفوت الفرصة للإشارة إلى أنها «ستستدعي القائم بالأعمال في سفارة جنوب افريقيا لتوبيخه»، وأنها تعتبر أن «محاولة إلغاء صفة مراقب لإسرائيل ليس لها أي أساس في قوانين المنظمة»، لكن كان واضحا أن المسؤولين الجنوب افريقيين الذين يقيمون علاقات دبلوماسية مع تل أبيب لم يكونوا راغبين في التصعيد معها؛ فقد قال كلايسون مونييلا رئيس الدبلوماسية العامة في الإدارة الحكومية المعنية بالعلاقات الدولية في جنوب افريقيا لوكالة رويترز «إلى أن يتخذ الاتحاد الافريقي قرارا بشأن منح إسرائيل صفة مراقب لا يمكن أن تأخذ الدولة هذه الصفة، وتضطلع بأعمال المراقبة». وأضاف «لذا فالأمر لا يتعلق بجنوب افريقيا أو الجزائر إنها مسألة مبدأ». غير أنه لم يصدر بالمقابل أي رد أو تعليق رسمي من الجانب الجزائري على تلك الحادثة. وتكفلت وسائل الإعلام المحلية وشبكات التواصل الاجتماعي بالاحتفاء بالإنجاز الجزائري، من دون أن تغفل عن الغمز في القناة المغربية، وتصوير الحادث وكأنه انتكاسة حقيقية للمغرب، الذي سبق أن أعاد قبل عامين علاقاته مع الإسرائيليين. ما عزز قناعة كثيرين في أن الأمر إضافة إلى كونه يتعلق بمواجهة دبلوماسية مع الاحتلال الإسرائيلي، كان وبطريقة ما، فصلا آخر من فصول الصراع المستمر بين جارتين مغاربيتين، تتزعم واحدة منهما جبهة الرفض في الإقليم، في ما تقود الأخرى جبهة التطبيع. ومن المؤكد أن تلك الصورة النمطية تدخل بعض الالتباس في أذهان الأفارقة، وتجعلهم أمام مفارقة صعبة الفهم. فكيف تتحالف الجزائر مع بلد يقيم علاقات دبلوماسية مع الإسرائيليين، وهو جنوب افريقيا، وذلك لمنعه من الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الافريقي ثم تتهم بالمقابل أقرب جيرانها بأن علاقاته الدبلوماسية مع هؤلاء تشكل خطرا عليها وتهديدا قويا وجديا لأمنها؟ وإذا كان وجود علاقات بين جنوب افريقيا وتل أبيب، لم يحل دون أن تشكل كيب تاون مع الجزائر حلفا للوقوف ضد دخول الإسرائيليين إلى القمة الافريقية، ألم يكن واردا أن يحصل الأمر نفسه مع المغاربة، في ما إذا بقي الحوار معهم قائما والعلاقات بينهم وبين الجزائريين موصولة؟
فإلى جانب الدفاع عن القضية الفلسطينية، من الواضح أن هناك أبعادا أخرى في الموضوع تخص الربط بشكل ما بينها وبين المشكل الصحراوي. وهذا ما يحد وبدرجة كبيرة من نجاعة التحركات في قارة تعيش فضلا عن الحروب والصراعات والأزمات، تصدعات وانقسامات حادة حول أكثر من ملف دولي، ولا شك في أن ذلك هو ما يلعب عليه الإسرائيليون بمهارة، مستغلين عوامل الانشقاق والفرقة القائمة بين الدول الافريقية لتثبيتها وترسيخها، من خلال تصنيفهم لتلك الدول بين متطرفة ومعتدلة، في الوقت الذي يفترض فيه أن لا وجود لمعتدل ومتطرف، متى تعلق الأمر بمناصرة القضية الفلسطينية العادلة. وهنا فإن أكبر تحد أمام الجزائريين الآن هو لا أن يتركوا خلافاتهم العميقة مع المغاربة جانبا، بل أن يبعدوها قليلا عن حلبة الصراع مع الإسرائيليين. ومتى حصل ذلك فانهم سيكونون بالفعل منتصرين.
كاتب وصحافي من تونس
القدس العربي