تبنى البرلمان الأوروبي لائحة خاصة تحت عنوان “حرية الصحافة في الجزائر”، تخفي في طياتها “مناورات سياسية” تم التخطيط لها في دهاليز مبنى ستراسبورغ من قبل لوبيات معروفة بمعاداتها للجزائر، وتعمل تحت الطلب خدمة لمصالح دول نافدة داخل أروقة الاتحاد، باستعمال أوراق حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتعبير وحرية التدين والمعتقد، كأوراق ضغط لتشويه سمعة الدول الرافضة لسياسة الأمر الواقع، لأن النواب الذين صادقوا على البيان يدركون أن اللائحة لا تلزم الجزائر وليس لها أي أثر على أرض الواقع.
تحرك البرلمان الأوروبي، الذي يرى ما يريد ومتى يريد أن يرى، لا يعتبر في الحقيقة مناورة جديدة، بل مشروعا قديما تم إخراجه من الدرج، إذ تمت صياغته خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، إلا أن بعض المجموعات السياسية، وتضم نواب فرنسيين عملت على تأجيل برمجته شهر أفريل المنصرم، نظرا لتوتر العلاقات الجزائرية الفرنسية بسبب قضية أميرة بوراوي.
محاولة هؤلاء النواب، خاصة المنتمين إلى حزب الرئيس إيمانويل ماكرون (23 نائبا) تعطيل اللائحة الشهر الماضي، كانت في الواقع مناورة لتهدئة الوضع مع الجزائر إلى غاية إعادة سفير الجزائر إلى باريس وإعادة برمجة زيارة الرئيس تبون إلى فرنسا، لتتحرك من جديد إلى الأمام، علما أن نواب الجمهورية (حزب ماكرون) لم يعارضوا اللائحة بل صوتوا بنعم.
هذه التطورات يراها متابعون مؤشرا على استعمال فرنسا لمثل هذه المنصات كورقة ضغط على الجزائر، مقابل التراجع أو التخلي عن مواقفها في بعض الملفات الإقليمية خاصة في منطقة الساحل، كما تحاول باريس من خلال هذه الخطوة، خلق نوع من التوازن بين الجزائر والمغرب محاولة استعطاف المخزن وإرضائه نظرا لتوتر العلاقات بين البلدين ولم تجد فرنسا إلا منح هدية “شيطنة الجزائر” كعربون صداقة لأصدقائها في القصر الملكي.
لائحة البرلمان الأوروبي، تعتبر بمثابة جرعة أوكسجين للنظام المغربي، حتى يتنفس قليلا من قضايا الفساد التي تلاحقه في ملف “موروكو غايت”، بسبب الأموال الكبيرة التي دفعها المخزن لشراء ذمم النواب مقابل التستر على حقوق الشعب الصحراوي ودعمهم للرباط في ملف الصحراء الغربية، وبالتالي تحويل الأنظار من الفساد المغربي-الأوروبي إلى الجزائر بهدف التستر ولو مؤقتا على قضية “موروكو غايت”.
بالإضافة إلى مساعدة النواب الفرنسيين، الذين يفوق عددهم 79 نائبا، أدى النواب الإسبان دورهم في أروقة البرلمان الأوروبي، خاصة نواب حزب رئيس الحكومة بيدرو سانشيز الممثل بـ21 نائبا لوحده، في حين أن إسبانيا تحصي 59 مقعدا في تشكيلة البرلمان الأوروبي.
واستغلت إسبانيا بدورها البرلمان الأوروبي لضرب عصفورين بحجر، لممارسة الضغط على الجزائر التي قررت معاقبة مدريد وإلغاء معاهدة الصداقة بين البلدين وما نتج عنها من أزمات سياسية واقتصادية هزت عرش حكومة سانشيز، وسعت إلى رسم صورة سوداء عن الجزائر من جهة مد يد العون للنواب الفرنسيين في تقديم خدمة للنظام المغربي والانضمام إلى الدول التي تحاول تبييض صورته بعد الرشاوى المقدمة لنواب أوروبيين كما أعلن سابقا.
أما اللوبيات التي تعمل في الخفاء، هي نفسها الدوائر التي عملت على عزل الجزائر وتحجيم دورها إقليميا، خاصة في المحيط العربي والإفريقي، والمناهضة لأن يكون للجزائر دور في الساحة السياسية الدولية خاصة من قبل المنضمين الجدد إلى محور التطبيع مع الكيان الصهيوني ولوبياته الناشطة بقوة في أوروبا.
هذه المعطيات، تفسر ردود الأفعال القوية والممتعضة الصادرة عن البرلمان الجزائري والبرلمانين الإفريقي والعربي لعلمهم مسبقا بحيثيات ومناورة البرلمان الأوروبي.
الشروق