تواجه ميزانية تونس من سنة إلى أخرى، «تضخم» كتلة الأجور في القطاع العمومي، والتي تعد من بين الأرفع على المستوى الدولي، وباتت تبعاً لذلك تستحوذ على أكثر من 40 في المائة من إجمالي الموازنة. فقد ارتفعت من 7.9 مليار دينار تونسي (نحو 3 مليارات دولار) سنة 2011 إلى ما لا يقل عن 19.5 مليار دينار (نحو 7.3 مليار دولار) في السنة الماضية؛ ونتيجة لذلك نبّه أكثر من طرف داخلي من خلال تصريحات الخبراء، وخارجي من خلال انتقادات صندوق النقد الدولي، إلى ضرورة كبح جماح الأجور التي يتقاضاها أكثر من 650 ألف موظف الكثير منهم يعد «غير منتج».
لكن، وبحصول السلطات التونسية على مبلغ 741 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة بها، التي أقرّها صندوق النقد الدولي ضمن مخصصات حقوق السحب الخاصة بالأعضاء والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 650 مليار دولار، تكون وزارة المالية التونسية قد ضمنت بداية من 24 أغسطس (آب) الماضي – تاريخ بداية التمتع بهذه الأموال – «جرعة أكسجين» مهمة لمواجهة تداعيات الجائحة، وذلك في الوقت الذي تعيش فيه على وقع أزمة اقتصادية خانقة بلغت حد تأخر صرف رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.
وكانت رواتب الموظفين تُصرف في تونس بين يومي 18 و22 من كل شهر، غير أنها صُرفت خلال الأشهر الثلاث الأخيرة بين يومي 24 و25 من كل شهر، وهو ما خلّف تساؤلات كثيرة حول حقيقة الوضع المالي والاقتصادي في تونس.
ووفق ما قدمته وزارة المالية التونسية من معطيات، فإن قيمة أجور الموظفين في تونس خلال السنة الحالية لا تقل عن 20 مليار دينار، وهو ما يمثل نحو 40 في المائة من ميزانية الدولة. وتحتاج تونس شهرياً إلى ما قيمته 1.7 مليار دينار لصرف أجور الموظفين. ويمثل الحد من كتلة الأجور في تونس إحدى أهم التوصيات التي قدمتها مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي لمواصلة تمويل الاقتصاد التونسي.
وخلال السنوات الماضية، شهدت كتلة الأجور منحى تصاعدياً بات من الصعب السيطرة عليه. ويرى عدد من خبراء الاقتصاد والمالية على غرار جنات بن عبد الله وعز الدين سعيدان، أن كتلة الأجور باتت تثقل كاهل الموازنة على حساب نفقات الاستثمار، حيث أكدت المعطيات التي قدمتها وزارة المالية التونسية تراجع نفقات الاستثمار خلال النصف الأول من السنة الحالية بنسبة 39 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة المنقضية، حيث بلغت قيمتها 1.4 مليون دينار، وهو ما مثل 8 في المائة فقط من إجمالي نفقات الدولة، حيث باتت كتلة الأجور بفعل تطورها من سنة إلى أخرى تمتص النسبة الأعلى من الموازنة على حساب مخصصات التنمية؛ وهو ما كان محور انتقادات متواصلة من قبل المؤسسات المانحة التي أشارت إلى أن القروض التي حصلت عليها السلطات التونسية لم تذهب نحو مشاريع التنمية والتشغيل، بل ذهبت لخلاص أجور مئات الآلاف من موظفي الدولة.
ويذكر أن البنك المركزي التونسي قد أكد من ناحيته على تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، حيث قدّر يوم 18 أغسطس الماضي بنحو 19.731 مليار دينار، أي ما يعادل 123 يوم توريد، مقابل 21.676 مليار دينار، أو ما يعادل 143 يوم توريد خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية. وبذلك يكون الاحتياطي من العملة الأجنبية قد سجل تراجعاً يوازي ـنحو 1.945 مليار دينار، وهو ما يعادل 20 يوم توريد.
وفسر مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي، هذا التراجع بانخفاض العائدات السياحية بنحو 71.9 في المائة حتى يوم 10 أغسطس 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020، وتقدر هذه العائدات بنحو 1.317 مليار دينار. ومن شأن حصول تونس على مبلغ 741 مليون دولار ضمن حقوق السحب التي أقرها صندوق النقد الدولي أن ينعش الخزينة ولو بصفة مِؤقتة.
الشرق الأوسط