قال موقع بلومبيرغ (Bloomberg) الأميركي إنه على الرغم من نفي الرئيس التونسي قيس سعيد سعيه لإرساء نظام حكم الرجل الواحد وتأكيده على حماية الحريات فإن تصاعد القمع في البلاد يراه كثيرون بمثابة علامة تحذيرية لديمقراطية تونس الوليدة، وهي واحدة من الإنجازات القليلة المتبقية لثورة 2011 الشعبية التي أطاحت بدكتاتور عمَّر طويلا، وألهمت سنوات من الاضطراب في جميع أنحاء العالم العربي.
وأشار الموقع -في تقرير لجيهان لغماري وسهيل كرم- إلى أنه مع تضاؤل هامش الحريات وانهيار الاقتصاد في ظل حكم سعيد يغلي الغضب والاضطرابات في تونس مجددا، مما يهدد بانفجار الوضع في جميع أنحاء البلاد.
وأضاف أنه بعد فوز ساحق في انتخابات عام 2019 اتُهم سعيد (أستاذ القانون السابق) بسحق الثورة من خلال الاستيلاء على السلطة وقمع المعارضة عبر ممارسات أعادت للأذهان أصداء أيام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وأورد الموقع أن سعيد -وهو شخصية متشددة يلقي خطاباته بلغة عربية فصيحة- دافع عن قراراته بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة في يوليو/تموز الماضي، باعتبارها كانت ضرورية لإنقاذ البلاد من الفوضى والفساد.
والخميس الماضي، ذكر سعيد في بروكسل حينما سئل من قبل الصحفيين عن الاتهامات الموجهة إليه أنه “كما قال الجنرال شارل ديغول ذات مرة، لا يمكنني في هذا العمر أن أبدأ مسيرتي المهنية كدكتاتور”.
وأشار الموقع الأميركي إلى أنه إذا كان التونسيون قد استمتعوا حتى ماض قريب بحرية التعبير التي اكتشفوا طعمها حديثا إلا أن منتقدي سعيد يمكنهم الآن أن يواجهوا المحاكمة لمجرد بثهم منشورا على فيسبوك كما حدث مع أحد المحامين الذين حكم عليهم غيابيا يوم الجمعة الماضي 10 أشهر سجنا، لمجرد وصفه تحركات الرئيس بأنها “انقلاب”.
أما الاحتجاجات التي شكلت عنصرا أساسيا في المشهد السياسي التونسي خلال العقد الماضي فيما كانت الحكومات المتعاقبة تكافح لمعالجة المشاكل الاقتصادية فتواجه الآن المزيد من القمع المتكرر، حيث تضاعف عدد الاعتقالات السرية للمعارضين المحتملين، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية.
وتأتي هذه التطورات -يضيف الموقع- في وقت عصيب بالنسبة لاقتصاد هذه الدولة الواقعة في شمال أفريقيا والمعتمد على السياحة والزراعة، فبعد سنوات من سوء الإدارة فاقمتها ظروف جائحة كورونا دفعت السلطات للحصول على خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي ستحتاج على الأرجح إلى توافق سياسي بشأن التخفيضات المؤلمة في الإنفاق التي ستتضمنها.
وقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020 بنسبة 8.8%، وكان نموه محدودا العام الماضي، كما حذر البنك المركزي التونسي من أن آفاق التعافي في 2022 “خجولة”، وسجل التضخم في ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين.
وبينما ينتظر منتقدو سعيد باستمرار طرق رجال الأمن أبواب منازلهم يسعى هذا الأخير إلى اختراق المؤسسات الديمقراطية، وهو ما بدأه أواخر يوليو/تموز الماضي بتعليق عمل البرلمان وإقالة رئيس الوزراء، ثم تولي السيطرة على القضاء والحكم بمراسيم وتعيين حكومة بسلطات أقل.
دعوة نادرة
والشهر الجاري، قام سعيد بالاستعاضة عن مجلس القضاء الأعلى الضامن لاستقلال القضاء بهيئة جديدة تحت وصايته، كما أقال الثلاثاء الماضي رئيس الإذاعة الوطنية، وهو “وضع خطير” بالنسبة لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وفق ما وصف محذرا نقيب الصحفيين التونسيين محمد الجلاصي خلال مقابلة صحفية.
وقد وجهت الأمم المتحدة والقوى الغربية هذا الشهر “دعوة نادرة” لسعيد لاحترام استقلال القضاء، لكن كان هناك رد فعل دولي محتشم حتى الآن على قراراته.
ويؤكد بلومبيرغ أنه بينما يوطد سلطته يتخلى سعيد عن رفاق دربه منذ فترة طويلة ويصبح أكثر عزلة.
وقال يوسف الشريف مدير مراكز كولومبيا العالمية (Columbia Global Centers) في تونس إن سعيد أحاط نفسه بأشخاص أذكياء “لكن طبيعة حكمه -التي لا يمكن التنبؤ بها- تعيق استقلاليتهم في تنفيذ أي إستراتيجية.. أولئك الذين يفكرون في الاقتصاد ليسوا في دائرته القريبة، على عكس الشخصيات الأمنية ومسؤولي الشرطة وخبراء القانون والنشطاء الداعمين لحملته”.
كما صدم نهج الرئيس التونسي -يضيف الموقع- عبد الرؤوف بالطبيب، وهو مستشار سابق لسعيد استقال في عام 2020 وانضم لاحقا إلى حركة أطلق عليها اسم “مواطنون ضد الانقلاب”، والذي قال خلال إحدى المقابلات ملخصا المشهد “لم أعد أعرف الرجل الذي عشت بجانبه منذ 40 عاما”.