نشر موقع معهد “بروكينغز” الأمريكي تقريرا سلط فيه الضوء على ردة فعل الدول الغربية تجاه إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد واستيلائه على مقاليد السلطة.
وقال المعهد في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إن الدول الغربية مترددة في ممارسة الضغوط على الرئيس التونسي خوفا من أن يلجأ إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للحصول على المساعدات بهدف الخروج من الأزمة الحالية.
ويرى المعهد أن الدول الغربية يجب أن تصعّد ضغوطها على سعيد من أجل العودة إلى المسار الديمقراطي وإجراء حوار شامل، وأن تمنع دول الخليج من دعم سياساته الاستبدادية.
صعوبات اقتصادية
بعد ثلاثة أشهر من استيلائه على السلطة، ركّز سعيد على حلّ المشاكل الاقتصادية من خلال محاولة الحصول على 3.5 مليارات دولار لتغطية أجور القطاع العام وتسديد ديون العام الجاري.
وفي غياب الدعم الخارجي، لا يمكن لتونس أن تجمع مثل هذا المبلغ، حيث أنها لا تستفيد حاليا من عائدات قطاع السياحة بسبب جائحة فيروس كورونا. وقد اقترح سعيد على رجال الأعمال المشتبه بتورطهم في قضايا فساد تمويل مشاريع في المناطق الداخلية التونسية المهملة لتجنب الملاحقة القضائية، لكن هذا الاقتراح لم يقدم الحل لأزمة السيولة في تونس.
كما اقترح سعيد مؤخرا اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب الضريبي ودعا إلى التقشف، لكن من غير المرجح أن يكون أي منهما كافيا لحل المشكل.
مصدران للتمويل الأجنبي
وحسب الموقع، فإن تونس تملك مصدرين رئيسيين للتمويل الأجنبي. المصدر الأول هو قروض صندوق النقد الدولي، وهو خيار اتبعته معظم الحكومات التونسية، قبل ثورة 2011 وبعدها. ووفقا لرويترز، تتطلب مثل هذه القروض خطة إصلاحات شاملة، تتضمن التحكم في فاتورة أجور القطاع العام المرتفعة والشركات الحكومية الخاسرة. ورغم أن تونس لم تحرز أي تقدم على هذه الجبهات، إلا أن صندوق النقد الدولي استمر في منحها العديد من القروض، ومن غير المرجح أن يتغير الوضع في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وأوضحت رويترز أن شروط صندوق النقد الدولي شهدت بعض التغييرات، ومنها أن يحدد سعيد خارطة طريق سياسية تشمل حوارا سياسيا واجتماعيا واسعا، ويأتي ذلك تزامنا مع ضغط الحكومات الغربية على الرئيس التونسي لفتح قنوات الحوار والعودة إلى المسار الديمقراطي.
أما المصدر الثاني للمساعدات الخارجية فهو دول الخليج، وأساسا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد أيدت الدولتان بشكل صريح استيلاء سعيد على مقاليد الحكم، وأرسلتا إمدادات طبية عاجلة لاحتواء أزمة فيروس كورونا في تونس.
ومن المرجح -حسب الموقع- أن تدفع هذه المساعدات الرئيس التونسي نحو اتخاذ إجراءات قمعية ضد بعض الأحزاب السياسية، وتحديدا حزب النهضة الإسلامي. وقد دعا العديد من أنصار سعيد علنا إلى حل حزب النهضة، وضغط سعيد بنفسه لإيجاد مخالفات في انتخابات 2019 قد تبرر حل الحزب.
وفي الوقت الراهن، يُحاكم عدد من نواب البرلمان المجمّد، من بينهم أعضاء من ائتلاف الكرامة، أمام محاكم عسكرية بتهمة إهانة الرئيس وقوات الأمن. كما حدث انقسام بين كبار المسؤولين في حزب النهضة مؤخرا، وهو ما قد يؤشر إلى إمكانية تفكك الحزب وظهور حزب جديد.
يضيف الموقع أن تونس تبدو في أشد الحاجة خلال المرحلة الحالية إلى الحصول على الدعم من دول الخليج وصندوق النقد الدولي. وقد ألمحت رئيسة الوزراء نجلاء بودن، عند تعيينها الشهر الماضي، إلى حزمة إصلاحات جديدة، معلنة أن أولوية حكومتها هي تحقيق التوازن في الموازنة العامة والمضي قدما في الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
كما تشير تحركات سعيد -الذي غير موقفه الشهر الماضي وأعلن عن نيته إجراء حوار وطني- إلى محاولة تلبية شروط صندوق النقد الدولي. وكشف مسؤولون تونسيون الشهر الماضي أيضا أنهم في مفاوضات متقدمة جدا مع المملكة العربية السعودية والإمارات للحصول على دعم مالي.
ضرورة الضغط على سعيد
يرى الموقع أن الغرب يتجنب الضغط بقوة على سعيد خوفا من أن يدفعه ذلك إلى اللجوء إلى دول الخليج، وقد بدا أن توقيت الكشف عن مفاوضات بين تونس والدول الخليجية مقصود لدفع صندوق النقد الدولي إلى تخفيف شروطه.
لكن التجربة المصرية أثبتت -وفقا للموقع- أن الغرب والخليج قد يقدمان التمويل في الآن ذاته، فقد تلقى عبد الفتاح السيسي 12 مليار دولار من التمويل الخليجي في أعقاب انقلاب 2013، وقد حصل على قرض من صندوق النقد الدولي بحلول سنة 2016.
وفي الحالة التونسية، من غير المرجح أن تتمكن دول الخليج من حل المشاكل الاقتصادية للبلاد، ما يعني أن الحكومة ستضطر إلى تلبية شروط صندوق النقد الدولي. بعبارة أخرى، مع تعثر الخليج في دعم القوى المعادية للثورة في مصر وليبيا والسودان، يجب على الغرب أن يضاعف ضغوطه من أجل عودة الديمقراطية والحوار في تونس، لا أن يتخلى عنها.
المصدر عربي21