تؤدي الانتخابات في بعض الأحيان إلى نتائج غير ملهمة، خاصة عندما تشكل مجموعة من الأحزاب حكومة ائتلافية غير عملية تكافح من أجل إنجاز الكثير من أي شيء، وهذا لا يعني أنه يجب الإطاحة بها، كما لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتجاهل محاولات الانقلاب التي نُظمت بحجة تجاوز فوضى الديمقراطية، ولكن في تونس، يبدو أن هذا ما تفعله إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتكشف مجدداً عن اتساع الهوة بين الأقوال والأفعال الأمريكية، وفقاً لاستنتاج الكاتب شادي حميد في مقال ظهر أولاً في مجلة “ذا أتلانتيك” قبل أن تعيد نشره عدة مطبوعات أمريكية ودولية.
وأشار حميد من مركز سياسة الشرق الأوسط إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي من المفترض أن يتقاسم السلطة مع البرلمان ورئيس الوزراء بتعليق الأول وعزل الأخير، ولكي لا يشك أي أحد بنواياه، خاطب سعيد الأمة وهو محاط بالعديد من المسؤولين العسكريين والأمنيين.
وقال إنه ربما لا يهتم الغالبية من الأمريكيين بأن تكون تونس قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي ولكن أجواء القصة قد يكون لها صدى.
وكما يضيف الكاتب، فإن الولايات المتحدة نفسها شهدت حالة لنموذج “الرئيس” الذي يتوق لإظهار القوة، ولكن الولايات المتحدة، كدولة ديمقراطية طويلة الأمد، لديها مؤسسات ارتقت إلى مستوى التحدى وقيدت “الغرائز الاستبدادية” للرئيس السابق دونالد ترامب، في حين أن الديمقراطيات الشابة الهشة لا تتمتع بهذا الحظ.
ومنذ بداية رئاسته، حدد بايدن الصراع بين الحكومات الديمقراطية والاستبدادية على أنه التحدي المركزي لكل من الحاضر والمستقبل، وقال في أول مؤتمر صحافي له كرئيس إنه من الواضح أن هناك معركة بين الديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية في القرن الحادي والعشرين، وقد كان خطابه النبيل مفاجئاً إلى حد ما، خاصة بالنسبة لرجل شكك في الانتفاضات العربية عام 2011، وقال في لحظة لا تنسى قبل أسبوعين من سقوط الرئيس المصري حسني مبارك وسط احتجاجات حاشدة إن ” مبارك حليف للولايات المتحدة ولن أشير إليه على أنه ديكتاتور”.
وبحسب ما ورد، فإن الإيمان بقوة وإمكانيات الديمقراطية سهل من الناحية النظرية، ولكن مشكلة الديمقراطية في الممارسة هي أنها ليست بالجودة، التي يأمل أنصارها أن تكون عليها، ويمكن قول نفس الشيء عن كيفية استجابة الولايات المتحدة لانتهاكات الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من الحكم على طريقة الاستجابة بأنها ظاهرياً إلى جانب الحكم الشعبي، إلا أن البيت الأبيض رفض حتى الانحياز إلى أي طرف في تونس، وبدلا من ذلك، أعرب عن “قلقه” بشأن التطورات هناك، وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين بساكي “إننا لن نتخذ قراراً حول ما إذا كنا سنسمي ما حدث إنقلاباً”.
وتعد الأزمة التونسية أول اختبار حقيقي لالتزام بايدن المعلن بعقيدة الديمقراطية الجديدة، بعد أن أصبح تجاهل دعم حقوق الإنسان والديمقراطية في الخارج أمراً مألوفاً في رئاسة ترامب غير العادية، وفي الواقع، كما يضيف الكاتب، قدم ترامب تجربة طبيعية، حيث تم إغلاق الفجوة بين الأفعال والأقوال لأول مرة بشكل كبير، وأصبحت الولايات المتحدة في عهده أقل نفاقاً.
ولم يعد على المعارضين التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستساعدهم، تحت أوهام حول الاهتمام الأمريكي بمحنتهم، ويمكنهم تكييف نشاطهم وفقاً لذلك والتركيز حصراً على سياقهم المحلي، وببساطة، كان ترامب غير قادر على خيانتهم.
وتحت قيادة بايدن، تتحدث أمريكا عن القيم والأخلاق مرة أخرى، في الداخل وفي الدول الأخرى، لا سيما الدول الضعيفة، وعلى حد تعبير الكاتب، القوة الأمريكية تسمح لها بامتلاك المُثل والقيم، ولكن ايضاً القدرة على تجاهلها.
ويتساءل حميد عن سبب عدم قيام الولايات المتحدة على إحباط انقلاب بطيء الحركة في تونس؟ وهي دولة نائية نسبياً ومخاطر التدخل قليلة للغاية، على النقيض من مصر، كما طرح الكاتب علامة استفهام عن المدى الذي يمكن للولايات المتحدة فيه أن تؤثر فعلياً على الشؤون الداخلية للدول البعيدة؟ وهل هناك أي شيء يمكن أن تفعله إدارة بايدن؟ والإجابة القصيرة هي نعم، حيث يمكن لإدارة بايدن أن تهدد بتعليق كامل للمساعدات إذا لم يبدأ الرئيس التونسي بعكس المسار.
والمشكلة في عدم الرد الأمريكي، كما يضيف الكاتب، هي أن عدم التدخل سيبعث برسالة إلى القادة المستبدين مفادها أن المسؤولين الأمريكيين لا يرغبون في متابعة التزاماتهم المعلنة.
وبالنسبة للمخاوف من مخاطر التهديد، قال الكاتب إن تونس بحاجة للولايات المتحدة أكثر مما تحتاجه أمريكا من البلاد، مشيراً إلى ضرورة التنسيق مع أوروبا قبل اتخاذ أي خطوة.
القدس العربي