قالت مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية إن تونس -التي أشعلت الشرارة الأولى للربيع العربي وتعتبر آخر معاقل الديمقراطية التي تمخضت عن هذا الحراك الشعبي في المنطقة- يمكنها أن تعود لحكم استبدادي دائم في ظل قيادة الرئيس قيس سعيد.
وأشارت المجلة -في تقرير لها- إلى أن الرئيس التونسي هو أحد أعراض المشكلة الكبرى التي تتخبط فيها البلاد، حيث يرى كثيرون في الاعتقالات العنيفة التي استهدفت منتقديه تذكيرا بأساليب وتكتيكات الدكتاتور التونسي الراحل زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الثورة في العام 2011.
ويرى يوسف الشريف المحلل السياسي ومدير “مراكز كولومبيا العالمية” (Columbia Global Centers) في تونس أنه “بطريقة ما انزلقت تونس مجددا إلى شكل من أشكال الاستبداد”، وقد تمضي قدما في هذا الطريق أو تلتحق بركب البلدان التي شهدت انقلابات عسكرية شاملة في أماكن أخرى من القارة السمراء.
وتؤكد المجلة أن المدافعين عن الديمقراطية طالبوا الدبلوماسيين الأجانب بكبح نفوذ جهات خارجية إقليمية تتدخل في الشأن التونسي و”تستخدم الكثير من نفوذها على الأقل على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لدفع التونسيين بعيدا عن الديمقراطية، ولتصوير الديمقراطية على أنها شيء عديم الفائدة تماما”، وفق تعبير الشريف.
وإذا نجحت مساعي هذه الأطراف -تضيف المجلة- وفشلت الديمقراطية في تونس وعاد الحكم الاستبدادي بشكل دائم فسيكون ذلك “نهاية رمزية” لثورات الربيع العربي.
ورأت فورين بوليسي أن أحد أوجه هذه الأزمة التي تعصف بتونس هو اقتصادي صرف، حيث تنحدر البلاد تدريجيا نحو “الإفلاس الوطني” بعد أن تم تأجيل صرف رواتب الموظفين في يناير/كانون الثاني الماضي على خلفية مفاوضات بطيئة تجري مع صندوق النقد الدولي بشأن خطة للإنقاذ، كما ارتفعت الديون إلى ما يقارب 100% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي ظل ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الوضع الاقتصادي تصدر التونسيون في العام 2021 قائمة المهاجرين غير النظاميين الذين حاولوا بلوغ أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط، فيما يفكر 51% من الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما “باستمرار” في الهجرة، وفق بحث أجرته منظمة “الإنذار الدولي في تونس” (International Alert Tunisia).
خط الدفاع الأخير
من ناحية أخرى، أقدمت الشرطة التونسية الأسبوع الماضي على إغلاق مكاتب القضاة بعد يوم من حل سعيد مجلس القضاء الأعلى (الهيئة التي تضمن استقلال القضاء)، في خطوة وصفها منتقدون بأنها “محاولة لاستغلال” المحاكم في الصراع السياسي.
وكانت لجنة الحقوقيين الدولية في تونس قد حذرت في ديسمبر/كانون الأول الماضي من أن تدخل سعيد في القضاء يرقى لمستوى الهجوم على “خط الدفاع الأخير المتبقي ضد استيلاء الرئيس على السلطة”.
وفي 25 يوليو/تموز 2021 أغرق سعيد البلاد في أزمة من خلال حل البرلمان، ومنح نفسه سلطات تنفيذية على أساس وجود “خطر وشيك”، وهو إجراء استثنائي وفق المادة 80 من دستور 2014، ومدد في 25 أغسطس/آب الماضي تلك السلطات إلى أجل غير مسمى، وهو ما وصفه منتقدون بـ”الانقلاب الرئاسي” رغم أن استطلاعات رأي أظهرت آنذاك أن تدخله كان مدعوما إلى حد كبير من التونسيين الذين رأوا فيه وسيلة “لإنهاء الفساد”.