ارتفعت المطالب بضرورة فتح الحدود البرية بين الجزائر وتونس بعد أن سقطت مسببات إغلاقها ممثلة في الأزمة الصحية التي مست العالم، خصوصاً أن الأجواء مفتوحة بين البلدين منذ فترة وتمت مضاعفة الرحلات، الأمر الذي أثار استغراب سكان المناطق الحدودية.
وقفات احتجاجية… ورسائل
وبات تنظيم وقفات احتجاجية على مستوى الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس، عادة دأب عليها السكان من الجانبين للمطالبة بفتح الحدود بعد أن كانت من أجل تحسين الأحوال المعيشية وتنمية المناطق “المهمشة”، وجاء توجه عدد من المواطنين وناشطي المجتمع المدني من مدينة “نفطة” التونسية ومواطنين من بلديتي “الطالب العربي” و”حاسي خليفة” الجزائريتين إلى المعبر الحدودي بين البلدين وتنظيم وقفات رمزية للمطالبة بفتح الحدود البرية المغلقة منذ أكثر من سنتين بسبب جائحة “كورونا”، ليكشف قلق سكان هذه المناطق من استمرار الإغلاق، لكن يطرح الأمر أيضاً تساؤلات حول أسباب هذا الامتعاض والاستياء.
وقالت وكالة الأنباء التونسية، إن المحتجين وجهوا رسالة إلى السلطات في تونس والجزائر، يطالبون فيها بضرورة فتح الحدود البرية في أقرب الآجال، بعد تسجيل انفراج في الوضع الوبائي المتعلق بجائحة كورونا، وعبروا عن استغرابهم لـ”مواصلة حصار الشعبين وقتل الآمال والطموحات بدلاً من تمتين الروابط”، موضحين أن مطالب فتح الحدود لا تتعلق فقط بالأنشطة التجارية الحاصلة منذ عدة سنوات بين الجانبين التونسي والجزائري، وإنما كذلك بسبب وجود روابط أسرية، واعتبروا أن فتح المجال الجوي بين البلدين ليس في متناول الجميع، لذلك يبقى الحل في فتح الحدود البرية، ولفتوا إلى أن حلم المغرب العربي المفتوح لا يزال مطمح الشعوب في هذه البلدان.
رهان لم يتحقق
وراهن سكان المناطق الحدودية على زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس لإعلان فتح الحدود البرية وإعادة تنشيط حركة التنقل والتجارة، بعد أن أسهم الإغلاق في تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على مستوى الشريط الحدودي الذي يعيش سكانه في الأساس على التجارة البينية وحركة نقل المسافرين بين البلدين، لكن الخطوة لم تتم، على الرغم من الفتح الجزئي الموجه لأصحاب بطاقات الإقامة من الجانبين.
مطالب منطقية
في السياق، يرى القيادي في الحزب الجمهوري التونسي، مولدي الفاهم، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن مطالب سكان المناطق الحدودية منطقية نظراً لأواصر القرابة بين عديد العائلات من الطرفين، ووجود علاقات تاريخية عريقة بينهم، مضيفاً أن هناك مبررات اقتصادية لرفع هذا المطلب ومنها غياب مشاريع مشتركة بين البلدين من شأنها الإسهام في تنمية هذه المناطق، وخلق مناصب الشغل للعاطلين عن العمل، وكذلك فرص للاستثمار من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة.
ويواصل الفاهم، أن هناك فكرة لم تجد فرصة للتجسيد وهي إقامة مناطق تجارية حرة في بعض المعابر الحدودية تخضع بالطبع للتقنين والرقابة المشتركة للدولتين، والتي من شأنها تحسين وتطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق، فضلاً عن نتائجها الإيجابية على المستوى الأمني، من خلال القضاء على المصاعب المعيشية التي يتغذى منها الإرهاب.
بيروقراطية وغياب التنسيق
من جانبه، يعتبر الحقوقي التونسي، أدم مقراني أن من بين العراقيل التي تمنع فتح الحدود بين البلدين بعد أن انحصر فيروس كورونا “نجد بيروقراطية الجانبين وغياب التنسيق المنشود”، موضحاً أن المعابر الحدودية البرية بين تونس الجزائر تشكل منفذاً للسكان ومورد رزق لهم، وقال إنه بعد عامين من غلق الحدود صار الوضع دقيقاً، إذ يعرف أن العائلات من الجهتين تربطها علاقات مصاهرة وقرابة بما يجعلها بحاجة إلى فتح الحدود، إضافة لاعتماد جزء من هؤلاء السكان على تدفق العابرين خصوصاً من الجزائر نحو تونس الذي يخلق ديناميكية اقتصادية في تلك المناطق، من أجل توفير موارد عمل لذوي الوضعيات الهشة.
ويتابع مقراني، أن حركة التوريد والتصدير عبر الحدود البرية يقتات منها سكان المناطق الحدودية الأمر الذي ولد لديهم هذه الحاجة لإعادة فتح المعابر الحدودية لا سيما على مشارف الموسم الصيفي الذي كان يعرف قبل الجائحة توافد السياح الجزائريين إلى تونس.
معضلة أمنية وسياسية بأبعاد اقتصادية واجتماعية
في المقابل، يرى الحقوقي الجزائري، حاج حنافي، أن المطالبة بفتح الحدود البرية في الجهة الشرقية من البلاد هي معضلة أمنية وسياسية بأبعاد اقتصادية واجتماعية، وبالتالي فإن “فتح الحدود هي آفاق شعوب المنطقة إذا ما رأينا الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين”، وأضاف أنه “من الزاوية الأمنية وفي الظروف الدولية المعاشة، فإن فتح الحدود أمر فيه تهديد نظراً لهشاشة الأوضاع بشكل عام والوضع الأمني على وجه الخصوص في تونس، وأما من الناحية السياسية فإن الخطوة تكاد تكون مناورة مؤقتة بنظرة فيها توجس حول المآلات التي تراعي توازنات اجتماعية داخلية ودولية جيواستراتيجية حول الوضع الإقليمي “حتى لا نصل إلى درجة العزلة ولا تكون خيرات الجزائر رهن المقايضة السياسية لبعض النداءات”.
ويعتبر حنافي، أن القرار السياسي الرسمي الجزائري فيه بعض من الحكمة والموازنة في هذا الجانب، مبرزاً أنه على المستوى الرسمي وهذا الأهم بادرت الجزائر بجملة إجراءات مثالية لحفظ أمنها القومي مع الجارة تونس، غير أنه من الضروري خلق برامج تنموية حقيقية تجنباً لمساومات أمنية أو اجتماعية تستغل من بعض الأطراف، وأوضح أن تونس تعيش أوضاعاً صعبة جداً، وقيامها هو قيام لأمن الدولة الجزائرية كبعد جيواستراتيجي، لكن لا بد أن تبنى هذه السياسة على أسس متينة تقوم على المصالح المشتركة لا الشعارات والمبادئ التي تغير شكل الخطط السياسية في مواجهة الأمر الواقع.
اندبندنت عربية