تزايد منسوب العنف المسلط على النساء والأطفال في تونس، حسب أرقام وزارة المرأة، ما طرح جملة من التساؤلات حول الأسباب التي تقف وراء استفحال الظاهرة، فضلا عن مدى جدية هياكل الدولة ومؤسساتها في معالجتها ووضع حدّ لها.
وكشف التقرير الوطني حول مقاومة العنف ضدّ المرأة لسنة 2021 الذي أصدرته وزارة المرأة بداية الأسبوع الجاري، أنّ هياكل النهوض الاجتماعي التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية تعهدت بـ 2633 ضحية عنف منها 1758 إناثا و875 ذكورا.
ومثّل العنف المادي أكثر شكل من أشكال العنف الشائعة يليه العنف المعنوي ثمّ الجنسي ثمّ الاقتصادي.
وتتوزّع الخدمات المقدمة لفائدة الضحايا من النساء والأطفال بين 1523 تعهدا نفسيا و743 إدماجا أسريا و69 إدماجا مدرسيا و1443 خدمات توجيه وإرشاد و167 إدماجا مهنيا و84 تعديل سلوك واكتساب مهارات و116 حالة إيواء، إضافة إلى توفير 64 بطاقة علاج مجاني و59 بطاقة علاج بالتعريفة المنخفضة و50 منحة قارة و175 مساعدة ظرفية.
وبيّن التقرير أنّ مستشفى الرازي قد استقبل سنة 2021، 19 امرأة و40 طفلا ضحيّة عنف للإحاطة النفسية.
وفسّر مراقبون تنامي الظاهرة بانهيار القيم المجتمعية، وتراجع دور التعليم، فضلا عن غياب الرؤى التنموية والإستراتيجيات التي تضعها الدولة وتهدف إلى معالجة الظاهرة في أبعادها العميقة.
وقال عامر الجريدي، كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة إن “ظاهرة العنف مردّها انهيار المنظومة القيميّة المجتمعية والتعليمية والانفلات الثوري، فضلا عن عمليات الإرهاب وضعف الدولة وغياب رؤى تنموية وتربوية وتوسّع دائرة الفقر، بالإضافة إلى فترات الحجر الصحّي المترتّبة عن جائحة كوفيد – 19”.
وأضاف لـ”لعرب” أن “النساء والأطفال يعتبَران من الشرائح المجتمعية الأكثر تضرّرا من استفحال هذه الظاهرة، خصوصا في مجتمع لا زال يعاني من رواسب العقلية الذكورية”.
وتابع “لئن كانت الحلول العاجلة ترقيعية وموضِعيّة فإن الحلّ الجذري لا يعدو أن يكون سياسيّا في البدء، أي على مستوى الدولة، وذلك عبر وضع سياسة اجتماعية – تربوية وتعليمية بالتوازي مع رؤية تنموية جديدة (مجتمع – اقتصاد – بيئة) تجد فيها الإستراتيجيات والبرامج الاجتماعية عموما والهادفة إلى القضاء على ظاهرة العنف نفاذَها الناجع؛ أي لا بدّ من تمشّ إستراتيجي يبدأ بالآني والعاجل وينتهي بالامتداد على مستوى الزمن”.
وعلى الرغم من ترسانة التشريعات والقوانين في تونس إلا أن ذلك لم يوقف مسلسل العنف ضد المرأة، وهو ما يضاعف المخاوف بشأن ضرب مكاسب المرأة في البلاد.
وانتقدت شخصيات حقوقية وسياسية تقصير الدولة في معالجة الظاهرة، وغياب الآليات اللازمة لذلك، لكنها أشارت إلى ارتفاع مستوى الإشعار بوجود العنف المسلط على النساء والأطفال.
وأفادت الناشطة الحقوقية، بشرى بالحاج حميدة، أن “هناك مجتمعات لديها هياكل لرصد ظاهرة العنف، ولاحظوا ارتفاعا في كشف حالات العنف، وفي تونس ليس لدينا مرصد العنف الذي يشتغل وفق آليات”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “عندما نسنّ قانونا ضد العنف في 2017، لا يمكن أن يعطي نتائج منتظرة بهذه السرعة، ولا يمكن أن يقضي على ظاهرة العنف”، مشيرة إلى أن الدولة لا تقوم على التربية على حقوق الإنسان.
وأردفت الناشطة الحقوقية “العنف ظاهرة قديمة، ولكن لم يعد العنف ضد الأطفال ظاهرة عادية، وأصبح هنالك وعي بأن العنف غير معقول، والتشهير به أصبح واضحا ولم يعد هناك تسطيح للظاهرة”.
واستطردت “ما دام هناك تمييز فيعني أنه يوجد عنف، وهناك تقصير واضح من الدولة”، متسائلة “أين دور وزارة المرأة في التنسيق بين الوزارات والإدارات الجهوية حول ظاهرة العنف؟”.
وفي العام 2017، أقرّ البرلمان التونسي قانونا طموحا لمكافحة العنف ضد المرأة، ودعمه سياسيون ومنظمات من المجتمع المدني تعمل على أن تكون المرأة التونسية تقدمية ومتحرّرة من كل القيود الاجتماعية.
ويوسع هذا النص القانوني، الذي لقي إشادات، نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبيها للعقاب على صعيد العنف ضد النساء، ويؤكد جليّا ريادة تونس في المنطقة في مجال حقوق المرأة ويكفل حماية قانونية ومادية لضحايا العنف.
وللتكفل بالنساء ضحايا العنف الزوجي الباحثات عن حماية الشرطة، أنشأت وزارة الداخلية التونسية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال سنة 2018، وتمّ تكليف المئات من عناصر الشرطة المدرّبين خصيصا لهذه المهمات، من بينهم نساء، بالتحقيق في حالات العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن النساء ضحايا العنف الزوجي.
وشهد المجتمع التونسي خلال فترة الحجر الصحي تزايدا في عدد حالات العنف الموجه ضد النساء.
وسبق أن قالت المكلفة بتلقي المكالمات على الرقم الأخضر المخصص لمقاومة العنف بوزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بتونس في تصريحات سابقة لـ”العرب”، “حتى خلال هذه الفترة لم يهدأ الخط”، مشيرة إلى أن “العنف الموجه ضد النساء لا يرتبط بزمن محدد”.
بدورها، أكدت رئيسة منظمة النساء الديمقراطيات يسرى فراوس تسجيل ارتفاع في حالات العنف ضد النساء خلال فترة الحجر الصحي الشامل.
وقالت في تصريحات صحافية إن “المنظمة تلقت شكاوى من نساء ضحايا عنف زوجي في فترة الحجر الصحي لم يحظين بمساعدة من بعض مراكز الأمن والحرس وطني”، مشيرة إلى أنه “تم التعامل معهن بلامبالاة بحجة عدم اهتمام رجال الأمن بهذه القضايا حاليا”.
وبحسب مسح أجراه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري في عام 2010، تواجه النساء العنف الأسري بمعدلات مرتفعة في تونس، إذ تتعرض 47 في المئة على الأقل من النساء للعنف الأسري.
وبلغ عدد المكالمات الواردة على الرقم الأخضر (1899) 3468 خلال 2018، وارتفع إلى 3500 سنة 2019، وبلغ ذروته خلال سنة 2020 إذ وصل إلى 15000 مكالمة وانخفض إلى 7588 سنة 2021.
بقلم: خالد هدوي
صحافي تونسي