قال الدكتور المهدي مبروك، الوزير التونسي الأسبق وأستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية والباحث في قضايا الهجرة غير النظامية، إن أوروبا تحاول منع انهيار تونس اقتصاديا وسياسيا، في سياق مساعيها لدفع الأخيرة لبذل جهد أكبر في ملف الهجرة غير النظامية.
وأوضح أن زيارة الوفد الأوروبي رفيع المستوى والمكون من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، ورئيس وزراء هولندا مارك روته، عنوانها الأبرز، جهود السيطرة على الهجرة غير النظامية، والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تونس.
وجاءت تصريحات المهدي مبروك في الحلقة التي خصصها برنامج “ما وراء الخبر” بتاريخ (2023/6/12) لإعلان المفوضية الأوروبية تعهدها بتقديم 150 مليون يورو لتونس، منها 100 مليون بهدف إدارة الحدود، من أجل مكافحة الاتجار بالبشر، بحسب المفوضية، التي التقى وفد رفيع منها الرئيس قيس سعيّد في تونس الأحد.
وكان سعيد الذي تعاني بلاده مصاعب مالية جدية، قال خلال زيارة لولاية صفاقس قبل ذلك بيوم واحد، إن بلاده لن تقبل القيام بدور الحارس لدولهم، في إشارة إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وتساءل البرنامج عن سياق زيارة الوفد الأوروبي، وفي أي إطار قدم مساعداته الاقتصادية إلى تونس، وعن الدور الذي ينتظره الأوروبيون من تونس في قضية مكافحة تدفق اللاجئين، ومدى استعدادها لقبول القيام بذلك الدور.
يذكر أن وكالة فيتش خفضت تصنيف تونس إلى مستوى “سي سي سي سلبي” (CCC-)، مرجعة ذلك إلى تعطل الاتفاق مع صندوق النقد وعدم قدرتها على تعبئة موارد الاقتراض الضرورية لتمويل موازنتها هذا العام وتآكل مخزون العملة الصعبة، مما يزيد احتمال تخلفها عن سداد ديونها.
نقطة تفاوض
ويوضح مبروك في حديثه لما وراء الخبر، أن السلطات التونسية استطاعت أن تجعل من ملف الهجرة في وقت وجيز، نقطة تفاوض كبرى، ليس مع الاتحاد الأوروبي فقط، وإنما مع صندوق النقد الدولي، معتبرا ذلك مكمنا لبراغماتية الدبلوماسية التونسية خلال الأسابيع الماضية.
ويرى أن ما ترسب عن الزيارة يمكن من خلاله القول إنه تم إذابة الجليد بين السلطة في تونس، والاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت العلاقة متوترة، وإن السلطات التونسية أعطت مثالا لتحفيز السلطات الأوروبية على تقديم الدعم، حينما شددت الرقابة خلال أحد الأشهر الماضية، ما قلل أعداد المهاجرين بشكل واضح.
لكن المحامي والباحث في القانون التونسي، قيصر الصياح، يرى أن الدافع الرئيسي للوفد الأوروبي، هو إذابة جليد العلاقات مع السلطات التونسية، وخلق نوع من المقياس، لمعرفة درجة تصعيد الرئيس قيس سعيد، الذي ينحى في خطابه منحى الخطاب الكلاسيكي اليساري، الذي يتعامل مع الآخر بندية، ويعلي قيمة سيادة تونس على أراضيها.
ويوضح في حديثه لما وراء الخبر، أنه لا يمكن تناول زيارة الوفد الأوروبي الأخيرة بمعزل عن تدني العلاقة بين دول أوروبا وروسيا على مستوى الطاقة إلى أدنى مستوياتها، وكذلك ملف الهجرة الذي تسعى أوروبا للحصول على دعم تونس في كبح جماحها.
التوطين مرفوض
وشدد على أن السلطات التونسية ترفض بشكل واضح، أن يتم ذلك عبر توطين المهاجرين في تونس، ولن تقبل بأن تكون “رواندا شمال أفريقيا”، كما أن ضخ مبلغ 150 مليون يورو، وهو مبلغ قليل جدا، يؤكد أن الهدف الأساسي للزيارة هو إذابة جليد العلاقة بين الطرفين.
فيما يؤكد رئيس معهد العلاقات الدولية والسفير الإيطالي السابق لدى الاتحاد الأوربي، فرديناندو نيلي فيروسي، أن إيطاليا والدول الأوروبية، يتزايد قلقها بسبب تدهور الأوضاع في تونس، لما لذلك من علاقة بملف الهجرة غير النظامية، إضافة إلى قلقها بسبب بعض الإجراءات والقرارات التي اتخذها سعيد ولا تتماشى مع معايير أوروبا للديمقراطية.
لكنه في حديثه لما وراء الخبر، يرى أن هذه المشكلة سيتم حلها، لوجود رغبة متبادلة، ومساع أوروبية حقيقية لإخراج تونس من مأزقها، ومساعدتها في حل خلافاتها مع صندوق النقد الدولي.
ويأمل فيروسي في أنه بعد زيارة الأحد، تستأنف المفاوضات بين تونس وصندوق النقد الدولي، وتنتهي لنجاح ووضع تستقر معه تونس، ويجعلها في موقف أفضل للسيطرة على الهجرة غير النظامية عبر أراضيها.
المصدر : الجزيرة