تستضيف العاصمة المصرية القاهرة، اليوم السبت، اجتماعاً مهماً على صعيد مستقبل الأوضاع في ليبيا وتهيئة الأجواء للمضي نحو الحل السياسي وإجراء الاستحقاقات الانتخابية، الرئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، والنيابية في يناير/ كانون الثاني المقبل. ومن المقرر أن يبحث الاجتماع سبل إخراج المرتزقة الأفارقة من ليبيا، المقدّرة أعدادهم بنحو 13 ألف عنصر، يقاتلون إلى جانب مليشيات شرق ليبيا التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر. ويشارك في الاجتماع للمرة الأولى إلى جانب ممثلي اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” مندوبون عن دول الجوار الليبي التي يحمل المرتزقة جنسياتها، مع حضور مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين من كل من تشاد والنيجر والسودان، بالإضافة إلى مسؤولي البعثة الأممية، ومراقبون أمنيون رفيعو المستوى من مصر. ويحضر أيضاً وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، خالد مازن، الذي وصل إلى القاهرة مساء أول من أمس الخميس، آتياً من طرابلس لبحث علاقات التعاون الأمني بين مصر وليبيا.
وكشفت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” أنه من المقرر أن يلتقي وزير الداخلية الليبي رئيس جهاز المخابرات العام اللواء عباس كامل، بالإضافة إلى نظيره المصري اللواء محمود توفيق وزير الداخلية، لبحث تفعيل الشراكة الأمنية بين مصر وليبيا، والتنسيق بشأن مواجهة التنظيمات الإرهابية ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وسبل تأمين العمالة المصرية، وأعمال إعادة الإعمار التي من المقرر لشركات مصرية تنفيذها في ليبيا خلال الأيام المقبلة.
وقالت المصادر إن الاجتماعات والتنسيق الذي تدفع مصر في اتجاهه بشأن إخراج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، يهدفان لتهيئة المناخ لتلك الخطوة، لتكون جاهزة للتنفيذ حينما تنتهي الحسابات والمعادلات الإقليمية. وأضافت أن الأوضاع في ليبيا ما زالت مرهونة بالأطراف الخارجية أكثر مما يتعلق بإرادة المكونات الليبية نفسها. وأوضحت المصادر أنه على الرغم من تمسك القاهرة بإخراج كافة المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، إلا أنها تدرك مدى تعقيد الأمور في هذا الملف. ولفتت إلى أن “مصر ليست مع إخراج دفعات كبيرة من المرتزقة الأفارقة، قبل أن يتم التوصل إلى تسوية نهائية بشأن العسكريين النظاميين الأتراك الموجودين في غرب ليبيا، والسوريين التابعين لهم هناك، لضمان الإمساك بأوراق ضغط في المعادلة الدولية بشأن ليبيا، ذلك بخلاف أيضاً مرتزقة فاغنر الروسية، التي ما زالت خارج السيطرة الدولية، ولا يوجد أي مؤشرات بشأن استجابة روسيا لإخراجهم”.
وأشارت المصادر إلى أن المشاورات الثنائية بين مصر وتركيا على المستوى الأمني والاستخباري ما زالت جارية بشأن وجود القوات العسكرية النظامية التركية على الأراضي الليبية، مؤكدة أن “تركيا ما زالت متمسكة بهذه القوات معتبرة أن وجودهم يحمل شرعية الاتفاقية الموقعة مع الحكومة الليبية السابقة”. وحول الاجتماع الخاص بالمرتزقة الأفارقة، قالت المصادر إن ما يزيد من تعقيد الأمور هو خشية الدول التابع لها هؤلاء من عودتهم بأسلحتهم مجدداً وإمكانية تأجيج أزمات ونزاعات مسلحة في هذه البلدان، خصوصاً أن غالبيتهم محسوب على فصائل مسلحة داخلية في هذه البلدان.
وينتشر في ليبيا عناصر تابعون لغالبية المجموعات الآتية من ولاية دارفور في السودان، وعلى رأسها تجمع قوى تحرير السودان، والمجلس الانتقالي لحركة تحرير السودان، وحركة جيش تحرير السودان ـ جناح عبد الواحد، ومجلس الصحوة الثوري السوداني، وعبد الله بندة. وظل هؤلاء يشاركون في الأعمال القتالية إلى جانب مليشيات شرق ليبيا، حتى توقف الحملة العسكرية على العاصمة طرابلس بين 4 إبريل/ نيسان 2019 و5 يونيو/ حزيران 2020، وتقهقر مليشيات شرق ليبيا لما بعد خط سرت الجفرة. وزادت العناصر السودانية من قدراتها وحجمها في الأسلحة والمركبات والمقاتلين، وعززت علاقاتها مع مليشيات شرق ليبيا.
ويتركز الجزء الأكبر من قوات دارفور في منطقتين: في هراوة، على بعد حوالي 70 كيلومتراً شرقي سرت، وفي الجفرة، التي تعتبر معقلها منذ سنوات مع سيطرتها على مناطق هون، وسوكنة، وودان، لا سيما في المطار المدني، ومنطقة زِلّة، حيث يقع مقر قيادة حركة جيش تحرير السودان ـ جناح مني مناوي. ولهذه القوات قواعد أيضاً في جبال الهروج، بالقرب من زلّة، حيث كان لحركة جيش تحرير السودان جناح ـ مني مناوي معسكر تدريب هناك.
وبالإضافة إلى المقاتلين السودانيين، تشارك قوات تشادية معارضة تابعة لجبهة من أجل التناوب والوفاق، التي تقود تمرداً ضد النظام السياسي الحاكم في تشاد، بقيادة محمد مهدي علي. واتخذت الجبهة بالتنسيق مع حفتر، من الجنوب الليبي مركزاً لها وأصبحت تعتمد على ليبيا كقاعدة خلفية لعملياتها في العمق التشادي، وإضافة لهؤلاء ينتشر نحو ألف مرتزقة من النيجر.
وفي أغسطس/آب الماضي اقترح رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي تشكيل قوة عسكرية مشتركة على الحدود الليبية، تضم بلاده والسودان والنيجر وليبيا لمنع توغل الجماعات المتمردة، وإعادة إحياء اتفاق رباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، سبق توقيعه عام 2018، من خلال تشكيل قوة عسكرية مشتركة على الحدود مع ليبيا للحول دون توغل جماعات متمردة، على غرار ما حدث في إبريل الماضي، وأدى إلى مقتل والده الرئيس إدريس ديبي. وقال ديبي خلال زيارة لنائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني إلى العاصمة نجامينا: “بلادنا ملتزمة بقوة أداء دورها في مساعدة الشعب الليبي، لكن في المقابل فإن تشاد تأمل بقوة ألا يزعزع المرتزقة والعصابات المسلحة التي تجوب ليبيا استقرار الدول المجاورة لها”.
العربي الجديد