كيف ينظر الفرنسيون إلى الجزائر؟ سؤال يمكن الإجابة عنه من خلال التصور الذي جسده تقرير رسمي فرنسي مفصل يتكون من 125 صفحة، ذكرت فيه الجزائر 79 مرة.. التقرير الذي تصفحته “الشروق” غاص في كل ما يتعلق بالجزائر، سياسيا، اقتصاديا وعسكريا.. كما قدم جملة من التساؤلات حول خلفية تنامي القوة العسكرية للجزائر وأثرها على السلام في البحر الأبيض المتوسط، دون أن ينسى القيام بمقارنة مع الجارة الغربية في مجال القوة العسكرية.
التقرير أعد لصالح لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية وكان محل نقاش في الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي من قبل النواب وبحضور مسؤولين كبار في الجيش الفرنسي، أبان في عمومه عن توجس المستعمرة السابقة من بعض التطورات، التي لا تخدم المصالح الفرنسية، ليس في الجزائر فحسب، وإنما في حوض البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الساحل، التي تعتبرها باريس منطقة نفوذ فرنسية خالصة.
ووفق معدي التقرير، فإن هناك الكثير من المعطيات لم تعد تلعب لصالح تطور العلاقات الجزائرية الفرنسية، وذلك رغم تأكيد وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة بأن تحسنها في اتجاه تصاعدي.
ويتحدث التقرير بأنه خلال السنوات الخمس الأخيرة لم تكن العلاقات الثنائية مستقرة، وشابها الكثير من التوتر على الكثير من الأصعدة، وعلى رأسها ملف الذاكرة الذي كثيرا ما تسبب في تأزيمها، والمخيف بالنسبة للفرنسيين، هو أن هذا التوتر أثر أيضا على التعاون الاقتصادي والأمني.
ويشير التقرير البرلماني إلى أن التشكيك في النفوذ الفرنسي في الجزائر، آخذ في الازدياد، سواء في إطار العلاقات السياسية أو الدبلوماسية وكذا ريادة الأعمال والعلاقات التجارية، فضلا عن العلاقات في مجال الدفاع.
ويرجع التقرير هذا التحول إلى النخب الناطقة بالعربية، والتي تنظر إلى الثقافة الناطقة بالفرنسية على أنها عنصر دخيل على الثقافة الجزائرية، فضلا عن وجود تفسيرات أخرى، كتراجع حضور النخب الفرنسية، والذي يمكن إرجاعه إلى الدور الذي لعبته المدرسة، التي أنتجت أجيالا لا يتقنون اللغة الفرنسية كما كان الحال في السابق، عندما كانت النخب الجزائرية الناشئة تتجه نحو فرنسا، عكس اليوم التي باتت وجهتها دول أخرى مثل روسيا.
وهنا، يرى التقرير أنه لا بد من الاعتماد على بعض الوسائل وتبني بعض الاستراتيجيات، من قبيل “تعزيز الموارد الاستخباراتية البشرية في البلدان المغاربية التي أظهرت عيوبها بعدم توقعها اندلاع الربيع العربي”.
من جهة أخرى، أظهر التقرير انشغالا بتنامي قوة الجيش الجزائري، من خلال تتبع مشتريات الجزائر من الأسلحة منذ الصفقة الشهيرة التي أبرمت بين الجزائر وروسيا في العام 2006، وتلا ذلك التركيز على تخصيصات الميزانية الوطنية لشؤون الدفاع والتي قال إنها تجاوزت عشرة ملايير أورو في السنة، ما جعل الجزائر تحتل المرتبة الخامسة في العالم والأولى إفريقيا وفق التقرير، وذلك استنادا إلى الملحق العسكري في سفارة فرنسا بالجزائر، العقيد ستيفان ريشو.
معدو التقرير ركزوا أيضا على قدرات الجيش الجزائري البحرية واصفين هذا التطور بالمعتبر، استنادا إلى الأميرال بيار فانديي، رئيس أركان القوات البحرية الفرنسية، الذي استمع إليه في لجنة الدفاع الخريف الماضي، الأمر الذي قلب موازين القوى في الضفة الغربية للبحر الأبيض المتوسط، لصالح الجزائر، مقارنة بالجارة الغربية.
ويعتقد معدو التقرير أن الجزائر باتت لديها القدرة على المواجهة في البحر المتوسط حتى مضيق جبل طارق، بفضل الأسلحة المتطورة التي اشترتها من روسيا ولا سيما ما تعلق بسلاح الجو ومضادات الطيران والتشويش الإلكتروني، وذلك استنادا إلى قراءة للجنرال فيليب موراليس، قائد سلاح الدفاع الجوي والعمليات الجوية، الذي تساءل عن الغرض من هذا التسليح وتداعياته على المنطقة، لكنه سرعان ما ربطه بالتصعيد الحاصل مع المغرب والوضع في كل من مالي وليبيا.
الشروق