لم تكن المواطنة التونسية سعاد الصويدي، التي قتلت أول أمس الأربعاء جراء العنف الزوجي، تعرف أن الموت سيلاحقها حتى بعدما اختارت الهرب من مدينتها نصر الله (وسط غرب تونس)، والاستقرار مع طفليها بعيداً عن بيت الزوجية بحثاً عن الأمان.
وأعلنت السلطات العثور على جثة الضحية سعاد (32 عاماً)، وهي أم لطفلين لم يتجاوزا سن الـ10، في منزلها في مدينة نصر الله بمحافظة القيروان، بعدما أقدم زوجها على خنقها حتى الموت، ثم سلم نفسه إلى السلطات الأمنية.
وعقب الجريمة المروعة، أطلقت ناشطات تونسيات وسم “#اسمها_سعاد”، بينما دقت وزيرة المرأة آمال بلحاج موسى ناقوس الخطر، مؤكدة أن جرائم قتل الزوجات أصبحت تتواتر بمعدل جريمة كل شهر.
وقالت عضو جمعية النساء الديمقراطيات، أحلام بوسروال، لـ”العربي الجديد، إن “سعاد ضحية جديدة من ضحايا العنف الأسري، وقتل الزوجات”.
وفي التفاصيل، توضح: “سعاد اختارت الاستقرار في مدينة أخرى منذ مدة برفقة طفليها تجنباً للعنف الزوجي، كما عولت على نفسها لكسب قوتها بالعمل في صنع الخبز التقليدي “الملاوي”، غير أنها لم تتمكن من العيش بسلام بعدما قرر زوجها وضع حد لحياتها خنقاً”.
وأكدت بوسروال، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “الزوج استدرج ضحيته إلى مدينة نصر الله أين كان يقطنان ونفذ جريمته، قبل أن يسلم نفسه إلى الشرطة”.
واستطردت بالقول: “سعاد ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سلسلة قتل النساء التي تتوسع حلقاتها مع سقوط كل ضحية جديدة”، مبينة “قبلها ذهبت رحمة الشارني ووفاء السبيعي، وجميعهن كنا ضحايا العنف الزوجي الذي ينتهي بالقتل”.
وأشارت المتحدثة إلى أن “الديناميكية النسوية المستقلة أحصت العام الماضي 15 جريمة لنساء سقطن ضحايا العنف الأسري والزوجي بدرجة أولى”، مشيرة إلى أن “رفض الطلاق هو الدافع الأساسي لهذه الجرائم”.
و”يرفض الأزواج قرار الانفصال أو طلب الزوجات الطلاق، فيقررون وضع حد لحياتهن بدل وضع حد للحياة الزوجية”، بحسب توضيح عضو جمعية النساء الديمقراطيات، أحلام بوسروال.
ولفتت في الشأن إلى أنه “وراء طلب الطلاق توجد أيضاً المشاكل المادية والاقتصادية التي تتحول إلى عنف زوجي في مرحلة أولى، ثم ترتقي إلى مستوى القتل في مراحل أخرى”.
وقالت وزارة المرأة والأسرة والمسنين، في بيان، إن “تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّاً تقريباً هو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر، حيث تم خلال 2022 تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات”.
وبينت الوزارة “وجود ارتفاع العنف ضدّ المرأة، وأن العنف الزوجي بات يمثّل أعلى نسبة من أشكال العنف المسجّلة الذي تعاني منه النساء، حيث تلقى الخط الأخضر للتبليغ عن العنف خلال الربع الأول من العام الحالي 921 حالة عنف، منها 654 حالة القائم بالعنف فيها هو الزوج، أي بمعدل 71%من الحالات المسجلة”.
وذكرت أن “معدلات حالات العنف المسجلة تضاعفت ثلاث مرات مقابل الفترة ذاتها من العام الماضي”.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رفعت الديناميكية النسوية المستقلة في تونس، وهي مجموعة من الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، شعار “أوقفوا قتل النساء”، محذّرة من مخاطر جرائم مروّعة تُرتكب في حقّ نساء تونسيات بمحيطهنّ العائلي، وذلك في أعقاب جريمة قتل ذهبت ضحيتها امرأة أربعينية أضرم زوجها النار في جسدها، بعد أن سكب عليها البنزين.
وقالت المديرة التنفيذية لجمعية “أصوات نساء”، سارة بن سعيد، المنخرطة في الديناميكية النسوية المستقلة، إنّ “جرائم بشعة تُرتكب ضدّ تونسيات، الأمر الذي يستدعي قرع أجراس الخطر ضدّ ظواهر خطرة في صدد التزايد في المجتمع”.
وأضافت بن سعيد، لـ”العربي الجديد” حينها، أنّ “تحوّلات تحصل في نوعية العنف المسلط على النساء الذي وصل إلى حدّ القتل حرقاً”.
وفي وقت سابق، انتقدت جمعية “أصوات نساء” تجاهل الدولة التونسية وتقاعسها إزاء جرائم القتل المتتالية للنساء من جرّاء العنف الزوجي، مطالبة بالكشف عن الأرقام الرسمية المتعلقة بهذا النوع من الجرائم.
كذلك، طالبت الجمعية بـ”وضع خطة وطنية لمناهضة العنف الزوجي والوقاية من جرائم قتل النساء، ورصد التمويلات الكافية لهياكل مكافحة العنف المسلط على النساء، بما يسمح بالتطبيق الفعلي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الصادر في عام 2017″.
وكانت جمعيات مدنية حذّرت، العام الماضي، من تحوّل العنف ضدّ المرأة إلى ممارسة يومية، شارحة أنّ مستويات العنف المرصودة في عام 2021 مثلا تبيّن أنّ الظاهرة تزداد استفحالاً مع تفاقم الأزمتَين الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، فيما يحتلّ الفضاء العائلي مرتبة متقدّمة في مسارح ممارسة العنف بمختلف أشكاله.
العربي الجديد