عاد الغموض مجددا بشأن الفئات المعنية بتدابير القانون الخاص بـ”مبادرة لم الشمل” التي أطلقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، خاصة ما يتعلق بمصير 298 من سجناء التسعينات.
والأحد الماضي، أمر الرئيس تبون، بمراجعة النص الذي أنهته الحكومة في يوليو/ تموز الماضي، وحصر المستفيدين منه في من سلموا أنفسهم عقب انقضاء آجال الاستفادة من قانون الوئام المدني (1999).
وأفاد بيان لمجس الوزراء الجزائري: “بخصوص مشروع قانون لم الشمل تعزيزا للوحدة الوطنية أمر رئيس الجمهورية بإعادة النظر في مشروع هذا القانون وحصر الفئة المستفيدة منه فيما تبقى من الأفراد الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء آجال قانون الوئام المدني”.
وشهدت الجزائر مطلع تسعينات القرن الماضي أزمة أمنية وسياسية بعد إلغاء قيادة الجيش نتائج انتخابات نيابية فاز فيها الإسلاميون. ودامت الأزمة سنوات مخلفة 200 ألف قتيل، حسب أرقام رسمية.
ولاحقا أصدرت السلطات الجزائرية، ثلاث مبادرات لإنهاء تلك الأزمة، هي قوانين الرحمة (1995)، والوئام المدني، والمصالحة الوطنية (2005)، كانت وراء ترك آلاف الأشخاص للعمل المسلح.
سجناء التسعينات
الغرض من المراجعة المنشودة لمشروع القانون، سيكون حصر الفئات المستفيدة، قبل المصادقة عليه في دورة مقبلة لمجلس الوزراء قبل إحالته للبرلمان من النقاش والمصادقة.
غير أن الغموض، طفا إلى السطح مجددا بشأن ما إذا يشمل سجناء التسعينات، وعددهم 298 سجينا، سبق وأعلنت الرئاسة الجزائرية إعداد نص قانون خاص للعفو عنهم.
وفي 14 يوليو/ تموز الماضي، ذكر بيان للرئاسة الجزائرية، أنه “تم إعداد قانون خاص امتداد لقانوني الرحمة والوئام المدني يخص 298 محكوما عليهم، سيعرض على الحكومة ثم مجلس الوزراء ليقدم لاحقا إلى البرلمان”.
وفي الـ21 من الشهر ذاته، أعلنت الحكومة الجزائرية في بيان، أن وزير العدل عبد الرشيد طبي، وبتوجيهات من الرئيس تبون، “قدم مشروعا تمهيديا لقانون يتضمن تدابير خاصة للمّ الشمل من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، آخذا بعين الاعتبار التجربة الوطنية خلال مختلف مراحل المصالحة الوطنية التي عرفتها بلادنا”.
وسبق لأحزاب جزائرية أن أعلنت طلبها من الرئيس تبون إصدار عفو بحق سجناء أغلبهم من الإسلاميين أوقفوا خلال أزمة التسعينات في ظل حالة الطوارئ، وصدرت بحق مئات منهم أحكام تصل إلى السجن مدى الحياة.
ورحبت شخصيات سياسة جزائرية، بقرار الرئيس تبون، العفو على هذه الفئة، وعلق النائب السابق بالبرلمان ورئيس مجلس الشورى لحزب “العدالة والتنمية”، لخضر بن خلاف عليه قائلا: “ما كان حلما أصبح حقيقة”.
وتعليقا على هذه التطورات، قال الرئيس تبون في 31 يوليو، خلال مقابلة متلفزة، أن المبادرة “بدأت منذ سنة تقريبا، وستعني الجزائريين الذين تم تغليطهم والذين فهموا أخيرا بأن مستقبلهم مع بلادهم وليس مع السفارات الأجنبية”.
ووفقا لبيان مجلس الوزراء الجزائري، فإن الصياغة النهائية للقانون ستحدد الفئة المستفيدة في الذين سلموا أنفسهم عقب انقضاء آجال قانون الوئام المدني.
ومعروف أن السلطات الجزائرية، حددت آجال 6 أشهر التي تلت صدور قانون الوئام المدني للاستفادة من التدابير التي أقرها.
وانقضت آثار هذا القانون في 13 يناير/ كانون الثاني 2000، بحكم صدوره في 13 يوليو/ تموز 1999.
وتستثني تدابير الوئام المدني وبعده المصالحة الوطنية “الأشخاص الذين ارتكبوا أفعال المجازر الجماعية أو انتهاك الحرمات أو استعمال المتفجرات في الأماكن الجماعية، حتى لو سلموا أنفسهم للسلطات (يخضعون للمحاكمة)”.
تجدر الإشارة إلى أن الأفراد الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء آثار قانون الوئام المدني، استفادوا لاحقا من “انتفاء وجه الدعوة” بفعل قانون المصالحة الوطنية، الذي عرض على الاستفتاء الشعبي سنة 2005، وانقضت آجال الاستفادة منه في مارس/ آذار 2005.
وفي آخر مقابلة إعلامية له، أكد الرئيس الجزائري، أن قانون لم الشمل سيخص “الأفراد الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء آجال قانوني الوئام والمصالحة الوطنية”.
وأردف: “فترة 6 أشهر كانت ضيقة، وبقي هؤلاء معلقين، ويتوجهون لمقرات للإمضاء دوريا”، مضيفا أنه “سيتم العمل على إدماجهم في المجتمع ليصبحوا مواطنين عاديين”.
سيناريوهات
وأفاد الرئيس الجزائري لوسائل إعلام محلية مؤخرا، أن “الهدف الأكبر لمبادرة لم الشمل هو طيّ مخلفات المأساة الوطنية”، والتي يطلق عليها محليا أيضا “العشرية السوداء”.
وتفيد مصادر أن الرئيس تبون لن يتراجع عن طي ملف سجناء التسعينات بصفة نهائية، يضاف لهذه الأفراد الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء تدابير المصالحة الوطنية.
وسيحصر القانون الخاص بلمّ الشمل، في سجناء التسعينات والذين سلموا أنفسهم، بعد انخراطهم في العمل المسلح خلال الأزمة ذاتها.
وعليه فإن القانون الجاري مراجعته، لن يشمل السجناء المرتبطين بحركتي “ماك” (حركة انفصال منطقة القبائل) و”رشاد”، اللتين تصنفهما السلطات الجزائرية “تنظيمين إرهابيين”.
وأوضحت مصادر قضائية أن المادة 2 من القانون عند صدوره، ستوضح الهدف منه تحديدا فإذا نصت على أن إجراءات العفو “تشمل الذين سلموا أنفسهم بعد انقضاء آجال قانوني الوئام والمصالحة”، سيكون نصا “مقيدا” في هذه الحالة ولن يشمل سجناء التسعينات.
في المقابل، يمكن لصيغة معممة عند تحرير المادة، تحيل صراحة إلى أزمة التسعينات، أن تشمل سجناء التسعينات، أو أن يتم اللجوء إلى مقاربة أخرى بإصدار عفو رئاسي خاص بهذه الفئة.
وكان الرئيس تبون، قد أكد أن قانون لم الشمل لن يشمل ما يعرف بسجناء الرأي، وقال: “سجناء الرأي كذبة القرن في الجزائر (لا وجود لهم)”.
ويطبق على الأشخاص الذين اعتقوا أثناء مسيرات الحراك الشعبي منذ 2019، إجراءات العفو العادية التي يقرها رئيس الجمهورية في مناسبات وطنية ودينية.
(الأناضول)