تعاني تونس أزمة كبرى تفتك بقطاعها الصحي، إذ تدفع ظروف العمل الصعبة والرواتب المتدنية وساعات العمل الطويلة الأطباء في البلاد إلى الهجرة. ما يدق ناقوس خطر ينذر بنزيف قد يؤدي لانهيار قطاع الصحة في البلاد.
فقد عاد الجدل مؤخرا حول ظروف عمل الأطباء ودوافع هجرتهم للخارج إلى الواجهة بعد إقدام طبيبة في ولاية المنستير بشمال شرقي البلاد على الانتحار إثر انهيار نفسي.
وأفادت المنظمة التونسية للأطباء الشبان أن الطبيبة المقيمة بقسم الولادات بمستشفى فطومة بورقيبة الجامعي كانت قد تقدمت بعطلة مرضية نصح بها طبيبها النفسي، لكن طلبها قوبل بالرفض وأُجبرت على مباشرة مهام عملها.
إرهاق واكتئاب
كما أشارت المنظمة إلى ما يعانيه الأطباء من نقص في العامل البشري بالمستشفيات وتردي ظروف العمل، مما أدى لارتفاع حالات الإرهاق النفسي والاكتئاب في صفوف الأطباء الشبان.
كما دفعت تلك العوامل إلى تزايد وتيرة هجرة الأطباء الشبان في الأعوام الأخيرة، ما أجج المخاوف من نقص الكوادر الطبية على نحو ينذر بانهيار قطاع يعاني بالفعل مشاكل كثيرة.
فبحسب إحصائيات العمادة الوطنية للأطباء بتونس، هاجر نحو 900 طبيب للعمل في الخارج عام 2022. وكانت فرنسا وألمانيا وكندا ودول الخليج العربية من أكثر الوجهات التي اجتذبت الأطباء المهاجرين.
الشباب في المقدمة
وفي هذا السياق، قال الدكتور سمير شطورو، الرئيس السابق للنقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، إن هجرة الأطباء تفاقمت في الفترة الأخيرة وإن هذا مصدر قلق لأن التوازنات في أعداد الأطباء ستختل، وأشار إلى أن أغلبية من قرروا الهجرة هم من فئة الشباب.
كما أعرب عن قلقه قائلا “الهجرة كانت موجودة من قبل، لكن تسارع النسق يخوفنا أكثر”.
ضرب واعتداءات
إلى ذلك، رأى مسؤول بأحد المستشفيات في تونس العاصمة، طلب عدم نشر اسمه، أن الاعتداءات على الأطباء “تحدث يوميا، سواء كانت مادية أو لفظية، خاصة في ظل غياب الأمن في بعض المستشفيات”.
كما أشار إلى صعوبة ظروف العمل ننتيجة اكتظاظ المستشفيات ونقص الأطباء، وهو ما قال إنه “يجعل الأعصاب تتوتر خاصة من أسرة المريض التي ترى أحد أفرادها يعاني من أوجاع، في وقت يكون الطبيب منشغلا بحالات أخرى ربما تكون أصعب”.
لكنه اعتبر أن أهم الأسباب التي تدفع الأطباء للهجرة هي تدني الرواتب مقارنة مع ما يمكن أن يتقاضوه في بلدان أوروبية أو خليجية. وقال “الطبيب المقيم في تونس يحصل شهريا على ما بين 1600 و1800 دينار” أي ما بين 522 و588 دولارا.
نزيف يصعب وقفه
من جهته، وصف الدكتور شطورو، الرئيس السابق للنقابة التونسية لأطباء القطاع الخاص، القوانين المنظمة للمهنة بأنها “بالية”، وطالب بمراجعتها وبحماية الطبيب وتحسين ظروف العمل في القطاع العام وتنشيط القطاع الخاص.
كما رأى أنه لا يمكن وقف النزيف في الوقت الحاضر لأن وزارة الصحة أغلقت باب الانتداب “بسبب مشاكل مالية”.
بدوره أكد الدكتور نبراس خلف الله، رئيس المكتب الجهوي بتونس العاصمة التابع لمنظمة الأطباء الشبان، أن الأطباء وبخاصة الشبان منهم “يعيشون وضعا صعبا بسبب العمل لساعات طويلة، إضافة للتعرض للعنف بصفة يومية في غياب إصلاحات أو برامج من شأنها إحداث تغيير فعلي”.
إلى ذلك، أضاف قائلا “قطاع الصحة ينهار ولا يتحسن، وهذا مؤسف ومؤلم جدا، وختمت بحادثة محاولة انتحار طبيبة”.
يشار إلى أن تلك المشكلة تأتي في وقت تواجه البلاد ظروفاً سياسية حرجة، فضلا عن وضع اقتصادي متعثر.
وكالات