سجلت نسبة التضخم في تونس أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات لتصل إلى مستوى 7.2 في المئة خلال شهر مارس (آذار) 2022، بعد أن كانت في حدود سبعة في المئة خلال الشهر السابق و6.7 في المئة خلال شهر يناير (كانون الثاني) 2022، وفق ما نشره المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
وبلغت نسبة التضخم في العام الماضي 5.7 في المئة، و5.6 في المئة في عام 2020، و6.7 في المئة في عام 2019.
وتعكس هذه النسبة المرتفعة من التضخم ما تعرفه تونس من أزمة اقتصادية كبيرة أججتها الأسعار “المستعرة” منذ مطلع العام الحالي، إذ عرفت أسعار جل المنتوجات، خصوصاً المنتوجات الأساسية من خضر طازجة وغلال وسلع، منحى تصاعدياً يزداد تقريباً يومياً، وفق معاينة يومية لحركة الأسعار في مختلف الأسواق التونسية.
ويتذمر التونسيون من لهيب الأسعار التي “أحرقتهم” ولم يعودوا قادرين على مجاراة النسق السريع لحركة الأسعار، وسط دخل شهري متواضع جداً، وتزايد عمليات المضاربة واحتكار السلع.
ارتفاع لافت لأسعار الغلال
وأرجع المعهد الوطني للإحصاء هذا التطور في نسبة التضخم خلال شهر مارس، بالأساس، إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار المشروبات الكحولية والتبغ (من 19.4 إلى 21 في المئة) والملابس والأحذية (من 8.9 إلى 9.8 في المئة) والأثاث والتجهيزات والخدمات المنزلية (من 5.7 إلى 6.1 في المئة).
وأشار المصدر ذاته، إلى أن أسعار المواد الغذائية عرفت، باحتساب الانزلاق السنوي، ارتفاعاً بنسبة 8.7 في المئة بسبب زيادة أسعار البيض بنسبة 22.2 في المئة وزيت الزيتون، بنسبة 20.6 في المئة، والغلال الطازجة، بنسبة 18.9 في المئة، والدواجن بنسبة 14.1 في المئة.
كما زادت أسعار الأجبان ومشتقات الحليب بنسبة 8.8 في المئة، والأسماك الطازجة بنسبة 8.6 في المئة، ومشتقات الحبوب بنسبة سبعة في المئة، مقابل تراجع أسعار الفواكه الجافة بنسبة 4.3 في المئة.
وشهدت أسعار المواد المصنعة هي الأخرى ارتفاعاً بنسبة 8.4 في المئة، باحتساب الانزلاق السنوي، وفق بيانات المعهد.
وأرجع المصدر ذاته ذلك، أساساً، إلى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 4.1 في المئة، ومواد البناء بنسبة 11.2 في المئة، والملابس والأحذية بنسبة 9.8 في المئة، ومواد التنظيف بنسبة 5.9 في المئة.
تطور أسعار الخدمات
كما اتجهت أسعار الخدمات صعوداً لتزيد بنسبة 4.7 في المئة، ويعزى ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 7.1 في المئة، وخدمات الصحة بنسبة 4.1 في المئة، وأسعار الإيجارات بنسبة 4.4 في المئة.
وبين المعهد الوطني للإحصاء أن التضخم الضمني لشهر مارس 2022، أي التضخم من دون احتساب الطاقة والتغذية، بلغ نسبة 6.8 في المئة بعد أن كان بحدود 6.6 في المئة خلال شهر فبراير (شباط) 2022.
وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعاً بنسبة 7.4 في المئة مقابل 6.6 في المئة بالنسبة إلى المواد المؤطرة، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 9.7 في المئة مقابل 3.6 في المئة بالنسبة إلى المواد الغذائية المؤطرة.
البنك المركزي يحذر من خطورة الوضع
ومنذ مطلع العام الحالي، كان خطاب البنك المركزي التونسي أكثر صراحة مع الرأي العام التونسي فيما يخص خطورة الوضع الاقتصادي في البلاد، وما انفك في بياناته الصادرة عن مجلس إدارته، يحذر من الضغوط التضخمية المتواصلة وتأثيرها السلبي في الاقتصاد الوطني، وبدرجة أهم تداعياتها على النسق المرتفع.
ولئن أبدى المركزي التونسي شبه رضا عن نسبة نمو الاقتصاد المسجلة في العام الفائت، حين بلغت نسبة النمو 3.1 في المئة بالنسبة إلى كامل سنة 2021 (مقابل نسبة متوقعة قدرها 2.9 في المئة)، فإنه في المقابل أعرب عن عميق انشغاله إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بآفاق تطور التضخم.
وأكد في آخر بيان لاجتماع مجلس إدارته بتاريخ 30 مارس 2022 ضرورة الانطلاق، في أفضل الآجال، بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية اللازمة التي من شأنها أن تسهم في تصحيح المالية العمومية واستعادة نمو سليم ومستدام وإدماجي.
ووفقاً لآخر الأرقام التي أصدرها المعهد الوطني للإحصاء، واصل التضخم منحاه التصاعدي للشهر الرابع تباعاً، ليبلغ 6.7 في المئة في شهر يناير 2022، مقابل 6.6 في المئة في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 و4.9 في المئة قبل سنة، إذ اتسم بالتسارع في نسق تطور المكونة الأساسية “التضخم ما عدا المواد الغذائية الطازجة والمواد ذات الأسعار المؤطرة”.
مستوى يبعث على الانشغال
وتعليقاً على نسبة التضخم الكبير، اعتبر معز الجودي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رئيس الجمعية التونسية للحوكمة (مستقلة)، أن نسبة التضخم المسجلة خلال شهر مارس مرتفعة وتبعث على الانشغال والحيرة بشأن مستوى الأسعار المتزايد في تونس.
ولاحظ أن نسبة التضخم استقرت في السنوات الماضية عند معدل خمسة في المئة، مقابل ما يجب أن تكون عليه أي ثلاثة في المئة وفق المعايير الأوروبية.
ولئن أبرز أن نسب التضخم حالياً في العالم تبدو مرتفعة وتجاوزت ستة في المئة في منطقة الأورو والولايات المتحدة الأميركية بسبب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فإنه أبدى تحفظات بخصوص ارتفاع التضخم في تونس، الذي أضحى متواتراً في المدة الأخيرة، وسيؤثر بشكل كبير في الدورة الاقتصادية للبلاد.
وقال معز الجودي إن سبب ارتفاع نسب التضخم في تونس يعود إلى عوامل داخلية، أهمها تراجع الإنتاج الصناعي والفلاحي واختلال منظومات الإنتاج، وعدم التوازن بين العرض والطلب، الأمر الذي عزز نمو مسالك التوزيع غير القانونية.
وتابع تحليله بالتأكيد أن نسبة التضخم المرتفعة تعود في جانب منها إلى التضخم المالي المستورد بسب ضعف الدينار التونسي أمام اليورو والدولار، وتراجع قيمة صرف الدينار، ما يجعل قيمة الواردات ترتفع بشكل كبير، علاوة على تنامي الواردات غير الضرورية، التي لها مثيل مُصنع في تونس.
نحو إقرار زيادة في نسبة الفائدة الرئيسة
وعما إذا كان سيلتجئ البنك المركزي التونسي إلى إقرار زيادة في نسبة الفائدة المديرية أو الرئيسة (نسبة الفائدة التي فرضها البنك المركزي على البنوك التجارية)، في حال تواصل هذا المنحى التصاعدي في نسب التضخم، لم يستبعد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية معز الجودي هذه الفرضية.
وفسر في هذ الصدد بالقول “في حال تواصل تسجيل مستويات مرتفعة في نسب التضخم في الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة، فإن البنك المركزي التونسي سيجد نفسه مضطراً إلى تعديل نسبة الفائدة الرئيسة، التي هي الآن في مستوى 6.25 في المئة، بزيادتها من أجل تطويق نسب التضخم.
ولكنه في المقابل حذر من إجراء كهذا، لأنه سيزيد في إضعاف الاقتصاد التونسي، وزيادة كلفة القروض البنكية المسداة إلى الأفراد والشركات، ما سيرفع بدوره الأسعار، وفق رأيه.
وخلص معز الجودي إلى الدعوة للرجوع إلى نسق الإنتاج، ومحاربة مسالك التوزيع المختلة، والعمل على إدخال الكميات اللازمة من الخضر والغلال إلى سوق الجملة، فضلاً عن إسناد قروض بنكية إضافية للشركات حتى تعود إلى الدورة الاقتصادية لمحاربة التضخم المتزايد.
independentarabia