الجزائر وكما هي دوماً؛ تسير على مبادئ ثورتها المجيدة ونهج قادتها العظام، وهي وفية لعروبتها وقوميتها، ولم يسجل عليها يوماً، أنها تخلت عن دورها التاريخي تجاه فلسطين وقضيتها، فكانت، قي كل الأوقات والأزمنة، خير سند لشعبنا الفلسطيني في مسيرته التحررية سعياً لدحر الاحتلال ونيل حقوقه المشروعة وفي المقدمة منها الحرية والاستقلال. ومازالت كما عهدنها مستمرة في دعمها وملتزمة بواجبها تجاه فلسطين وشعبها، وفية لمقولة شهيرة أطلقها رئيسها السابق “هواري بومدين” منذ ما يفوق عن نصف قرن: نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.
ومازالت تلك المقولة تصدح في آذاننا وآذان كل الفلسطينيين، في الوطن والشتات، لأنها لم تكن مجرد مقولة عابرة من رئيس غادر سدة الحكم وفارق الحياة، وإنما كونها صرخة صادقة ومُعبرة، توارثتها الأجيال الجزائرية، ورددها الرؤساء المتعاقبين للجزائر الشقيقة وشعبها العظيم، لتؤكد الجزائر على أن فلسطين حاضرة ولم تغبْ عن أذهان وعقول وقلوب الجزائريين كل الجزائريين، لهذا لم ولن ننسى الجزائر التي احتلت مساحة واسعة وعميقة في ذاكرتنا، وحُفر اسمها في سفر تاريخنا الفلسطيني وثورتنا المعاصرة وهي دائمة الحضور في قلوبنا وعقولنا ويوميات حياتنا، فالروابط التاريخية عميقة. وصدق من قال: من الأوراس إلى الكرمل، الثورة مازالت مستمرة. ونحن شعب يُقدر عالياً الاهتمام الجزائري، الرسمي والشعبي، بالقضية الفلسطينية، ونقدر دعم الجزائر التاريخي تجاه الشعب الفلسطيني، وما زالت متميزة بالتزامها في دعم فلسطين وشعبها.
ولأنها الجزائر، الحريصة دوماً على مصالح شعبنا ووحدة قواه السياسية وفصائل المقاومة الفلسطينية، بادرت، وبدعم من الرئاسة الجزائرية، ورعاية رسمية وشعبية، منذ بضعة شهور إلى دعوة الأشقاء الفلسطينيين للالتقاء في الجزائر، للتحاور وإيجاد قواسم مشتركة لاستعادة الوحدة الفلسطينية. ومطلع تشرين أول/أكتوبر الماضي عُقد في قاعة الأمم بالعاصمة الجزائرية “مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية”، برعاية الرئيس الجزائري، ضم كافة الفصائل الفلسطينية، وتُوج بما أصطلح على تسميته “إعلان الجزائر” والذي شكل أرضية يُمكن الانطلاق على أساسها نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني. بجانب الجهود الكبيرة والعظيمة التي بذلتها وتبذلها الشقيقة مصر من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما حرصت الجزائر على استضافة القمة العربية التي تحمل اسم “فلسطين”، والتي تعقد يومي الأول والثاني من تشرين ثاني/نوفمبر2022. وتتصدر القضية الفلسطينية جدول أعمال القمة العربية رقم31 “قمة فلسطين”. ونأمل كفلسطينيين أن يصدر عنها قرارات، جدية وفعلية، تعزز من صمود أهلنا وتوفر الحماية للقدس وأهلها، وتدعم نضال شعبنا الفلسطيني المشروع في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
كلنا أمل بالقمة العربية، قمة فلسطين بالجزائر العظيمة، وكلنا ثقة بالجزائر الحبيبة، الجزائر التي أحببناها، فهي، وبالإضافة إلى ما ذكر، رائعة في جمالها وطبيعتها وشواطئها. هائلة بآثارها وفاتنة بكسوتها الخضراء. تميزة بمتحفها “مقام الشهيد”. الجزائر شامخة كجبالها وعظيمة بثورتها وحجم تضحياتها.
وكنت قد نُلت شرف زيارة الجزائر مرتين، كانت المرة الأولى في آذار/مارس عام2007، فيما تكررت زيارتي لها للمرة الثانية عام2010, للمشاركة في مؤتمرين خصصاً للأسرى في سجون الاحتلال، وكلما ذُكرت الجزائر، أو كتبت شيئاً عنها، ازددت شوقاً للعودة لزيارتها من جديد. هذا ليس لسان حالي فقط، وإنما نحن كشعب فلسطيني نشتاق لزيارتها، ونعشق الجزائر وترابها، ونحب شعبها ورؤسائها وقياداتها، ونفخر بتاريخها ومواقفها ونتعلم من دروسها وتجربتها الرائدة بشقيها السياسي والعسكري. فالجزائر عظيمة برؤسائها المتعاقبين، ومتميزة بحب شعبها الحبيب لفلسطين ووقوفه لجانبها ومن أجل قضيتها العادلة. وآمل أن تُقدم الجزائر على منح الفلسطينيين تسهيلات تمكنهم من الوصول إليها وزيارتها والتمتع بجمالها وروعة أهلها.
وما بين فلسطين الحبيبة بلد المليون أسير والجزائر الشقيقة بلد المليون ونصف المليون شهيد روابط تاريخية وثقافية وعلاقة استثنائية، ولطالما نتحدث عن الجزائر، فلابد وأن نشيد بالتجربة الإعلامية المتميزة التي بدأتها الصحف الجزائرية منذ مايزيد عن عقد من الزمان، دعما للقدس والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني. وهنا أسجل جل احترامي وتقديري لكافة وسائل الإعلام الجزائرية على اختلاف أسمائها، المرئية والمقروءة والمسموعة، ولعموم الكُتاب والإعلاميين الجزائريين الذين يخصصون مساحات في كتاباتهم وتقاريرهم وعلى صفحات الجرائد المقروءة، لعرض قضية الأسرى وهمومهم ومعاناتهم، وفضح انتهاكات وجرائم الاحتلال بحقهم، مما جعل منها تجربة اعلامية متميزة واستثنائية في اسناد الأسرى ودعم قضاياهم وتعزيز صمودهم. والشكر هنا موصول إلى الأخ والصديق الحبيب الأسير المحرر/خالد عز الدين، المسؤول عن ملف الأسرى في سفارة دولة فلسطين في الجزائر الشقيقة.
في الختام، ندعو الله أن يحفظ لنا الجزائر أرضا وشعبا، من كل شر وسوء، وان يديم عليهم الأمن والأمان والاستقرار ودوام الازدهار. ونتمنى من “قمة فلسطين” أن تكون على قدر من المسؤولية تجاه فلسطين.
الكاتب: عبد الناصر فروانة
وكالات