تفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في تونس بشكل خطير وباتت تُلقي بظلالها وسط دعوات تُطالب بإستنباط مقاربة جديدة لمعالجتها تقوم على توفير مقومات التنمية المستدامة.
وتكررت خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية محاولات الهجرة غير الشرعية، حتى بات لا يكاد يمر يوم دون إعلان السلطات التونسية عن إحباط مثل هذه المحاولات التي تنطلق من السواحل التونسية الممتدة على طول 1300 كيلو متر نحو السواحل الإيطالية.
وعادة ما يختار الحالمون بالهجرة جزيرة “لامبيدوزا” الإيطالية كمحطة أولى لرحلتهم البحرية، باعتبارها أقرب نقطة إلى الشواطئ التونسية حيث تبعد عنها نحو 80 كيلو مترا فقط.
وفي هذا الصدد، أعلن العميد حسام الدين الجبابلي الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني (الدرك) التونسي اليوم (الثلاثاء) عن إحباط 16 محاولة للهجرة غير الشرعية خلال الليلة الماضية.
ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن الجبابلي قوله إن الوحدات البحرية تمكنت أثناء إحباط هذه المحاولات من إنقاذ 326 مهاجرا غير شرعي من الغرق، بينهم 217 من جنسيات افريقية مختلفة.
وأضاف أن وحدات الحرس الوطني (الدرك) العاملة بمناطق جرجيس وقابس والمهدية ضبطت خلال نفس الليلة 8 أشخاص مطلوبين للعدالة من أجل مساعدة أشخاص آخرين على اجتياز الحدود البحرية خلسة.
وأمس الاثنين، أعلنت وزارة الدفاع التونسية أن وحدات عائمة تابعة لجيش البحر، تمكنت في نهاية الأسبوع الماضي، من إحباط 11 محاولة للهجرة غير الشرعية، تم خلالها إنقاذ 152 مهاجرا غير شرعي تتراوح أعمارهم بين سنتين و54 سنة.
وأشارت في بيان إلى أن عمليات احباط هذه المحاولات تمت في عرض البحر قبالة سواحل محافظات صفاقس وبنزرت ومدنين وسوسة ونابل والمنستير، علما وانه قبل ذلك، بيوم واحد، أي يوم الأحد الماضي، أعلن العميد حسام الدين الجبابلي الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني (الدرك) عن احباط 10 محاولات للهجرة غير الشرعية، تم خلالها انقاذ 150 مهاجرا غير شرعي (64 تونسيا و86 من عدة جنسيات افريقية).
وأمام تواتر مثل هذه المحاولات، تحولت ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى ملف حارق، خاصة وأن بيانات رسمية أعلنها الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني في 25 أغسطس الجاري تُشير إلى أن أكثر من 15 ألف شخص شاركوا في محاولات للهجرة غير الشرعية خلال الأشهر السبعة الماضية.
وأوضح أن تلك المحاولات شارك فيها أكثر من 7 آلاف تونسي، وحوالي 8 آلاف و700 أجنبي، لافتا في نفس الوقت إلى أنه “تم إلقاء القبض خلال الفترة المذكورة على 388 مطلوبا أمنيا من ضمنهم 54 عنصرا متطرفا كانوا يحاولون اجتياز الحدود البحرية خلسة”.
وكان لافتا مشاركة العائلات والقصّر والحوامل والرضع، في محاولات الهجرة غير الشرعية، بحسب الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني التونسي، الذي قال “محاولات الهجرة غير الشرعية كانت تقتصر على مواطني دول جنوب الصحراء، لكنها أصبحت تشمل في السنتين الماضيتين عائلات تونسية”.
وتابع أنه تم أيضا رصد مشاركة عدد من التونسيين من خريجي الجامعات، بالإضافة إلى عدد من الموظفين في محاولات اجتياز الحدود البحرية خلسة نحو السواحل الأوروبية.
وأمام هذا التفاقم، كثفت منظمات المجتمع المدني من الندوات والمؤتمرات التي تعقدها بحثا عن حلول لهذه الظاهرة، كان أخرها الندوة الدولية حول “الهجرة، مقاربة شاملة لتنمية مستدامة” التي نُظمت على هامش الدورة الثامنة من مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في افريقيا التي انتهت أعمالها الأحد الماضي بتونس.
وأكد المشاركون في هذه الندوة، التي نظمتها الإدارة العامة للعلاقة مع المجتمع المدني برئاسة الحكومة التونسية، والهلال الأحمر التونسي، بالتعاون مع هيئة الامم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين، أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية شهدت خلال السنوات الماضية متغيرات عديدة “تفرض تغيير الاستراتيجيات المحلية والدولية لمعالجتها.
وشددوا في هذا السياق، على ضرورة البحث عن آليات فعالة لتحويل هذه الظاهرة من أزمة إلى فرص للتنمية والاستثمار في الطاقات البشرية، وذلك من خلال استنباط مقاربة شاملة لتنظيم هذه الظاهرة تشمل الجوانب الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التنموية وتحترم بالخصوص الجانب الإنساني.
وفي مداخلة له خلال هذه الندوة، اعتبر رئيس الهلال الأحمر التونسي عبد اللطيف شباو “لقد آن الأوان لمعالجة ظاهرة الهجرة ضمن مقاربة تشاركية مع بقية الدول الافريقية خاصة وأن تونس لم تعد فقط مصدرا لليد العاملة بل أصبحت بلدا مستقبلا للمهاجرين من الدول الافريقية”.
وفيما أكد عبد اللطيف شباو على ضرورة اعتماد مقاربة تشمل الجانب التنموي الاقتصادي لمعالجة هذه الظاهرة، لفتت بيغونيا لاساغباستر، ممثلة هيئة الامم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين إلى أن خصائص الهجرة قد تغيرت حيث تتحمل اليوم عائلات بأكملها المخاطر على قوارب الهجرة للمرور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
وأضافت أن محاولات الهجرة غير الشرعية “تنتهي في أغلبها بمآسي إنسانية”، مشيرة في نفس الوقت إلى ارتفاع عدد النساء والأطفال المهاجرين، وضرورة وضعهم ضمن أوليات المقاربات المعتمدة لمعالجة هذه الظاهرة.
أما الأستاذ الجامعي الباحث في التاريخ المعاصر التونسي فوزي السعداوي، فقد اعتبر في مداخلته أن موضوع الهجرة هو “موضوع مركب تتداخل فيه العديد من العوامل وأن تأثيراتها وانعكاساتها أيضا يتم تفسيرها بالمتغيرات التاريخية وتكون لها آثار مدمرة على بلد المنشأ أو بلد الاستقبال”.
ودعا إلى أهمية “إعادة قراءة هذه الظاهرة في إطار المتغيرات، وإيجاد استراتيجيات متكاملة وشاملة لحلها انطلاقا من الظروف التي أوجدتها في بلد المنشأ.
شينخوا