فشلت السلطات التونسية في وقف ظاهرة التهريب المتنامية في السنوات الأخيرة، وتأثيرها الكبير على الاقتصاد المحلي، ويرى خبراء في الاقتصاد أنها لم تضع السياسات الضرورية للتصدي للظاهرة عبر تكثيف الرقابة المشتركة على الحدود، وعدم محاسبة المخالفين وتطبيق القانون ضدّهم.
ويكبّد التهريب الدولة خسائر تقدر بالمليارات سنويا حيث تتخذ شبكات المهربين المسالك الحدودية منافذ لها لتهريب السلع مستغلة ضعف الرقابة في بعض الأحيان والفساد والرشوة.
وتُعَدّ مقاومة التهريب والتصدي للمهربين شغلا يوميا للوحدات العسكرية والأمنية والجمارك، كما احتدّ الصدام بين المهرّبين والقوات العسكرية، خلال السنوات الأخيرة بحكم كثافة انتشار الجيش على الحزام الحدودي، ومضاعفة جهود الوقاية من الإرهاب.
وكشف وزير الداخلية والبلديات اللبناني القاضي بسام مولوي، الخميس، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على “تويتر”، عن عملية “نوعيّة” جديدة قامت بها الأجهزة الأمنية اللبنانية، إذ تمكّنت فرقة مكافحة المخدّرات في الجمارك اللبنانية من ضبط نحو مليون و800 ألف حبّة “كبتاغون” معدّة للتصدير إلى تونس عبر مرفأ بيروت.
ولفت وزير الداخلية اللبناني إلى أنّ المحجوزات كانت مخبّأة داخل عدّة صناعية، مؤكّدا أنّه تمّ إيقاف اثنين من المتورّطين حتّى الآن.
وينتشر استخدام مثل هذه المخدرات بين المحاربين، وقد استخدمت بعض الأنظمة الشمولية مثل النازية الأمفيتامينات لزيادة معدّلات المغامرة والإقدام، وتمّ توزيعها على نطاق واسع في جميع أنحاء الرُّتب العسكرية الألمانية من قوات النخبة لأطقم الدبابات والأفراد، ولتعزيز الآثار المنشطة وللحثّ على اليقظة المطولة، كما ثبت أن الجنود من الجانبين في الحرب العالمية الثانية تناولوا كميات كبيرة من الأمفيتامينات كوسيلة لمحاربة التعب ورفع الطاقة ومعدلات التهور.
وأحبطت وحدات الحرس التونسي بكامل تراب البلاد خلال الفترة الممتدة من بداية يناير إلى غاية 30 سبتمبر من العام الجاري 3811 عملية تهريب، وفق بيان صادر عن المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة العميد حسام الجبابلي.
ووفق المصدر ذاته، قدرت القيمة المالية للمحجوز من وسائل نقل وبضائع مهربة بحوالي 123 مليون دينار (37.59 مليون دولار).
وقال محسن حسن وزير التجارة السابق “التهريب ينخر الاقتصاد المحلي وأسبابه متعددة ومنها الفرق بين أسعار المواد المهربة بين تونس والجزائر وليبيا والعديد من المواد الأولية، وارتفاع معاليم الجمارك حيث يضطر بعض الأطراف إلى التهريب عوض الاستيراد عبر المسالك المنظّمة، فضلا عن ضعف الرقابة في مناطق العبور وتفشي ظاهرة الفساد والرشوة، وعدم تكافؤ الفرص الذي يدفع العديد من الأطراف إلى الهروب نحو السوق الموازية”.
وأضاف لـ”العرب”، “التهريب هو اقتصاد غير منظم ونشطاؤه غير منخرطين في منظومة الصناديق الاجتماعية وهذا تأثيره سلبي على الصناديق ويؤدي إلى فقدان الجاذبية في الاستثمار”.
وتابع حسن “الدولة فشلت في محاربة التهريب والتصدي له لأنها لم تضع السياسات الضرورية ومنها الحلول الأمنية عبر تكثيف الرقابة بفرق مشتركة والمراقبة داخل البلاد، علاوة عن تخفيض المعاليم الجمركية في سوق التهريب والصرامة في تطبيق القانون ضدّ المخالفين، إلى جانب إحداث مناطق تجارة حرّة على غرار المنطقة التجارية الحرة ببن قردان التي ما زالت لم تكتمل بعد”.
واستطرد “هناك حلول تنموية تهتم بالمناطق الداخلية والاستثمار فيها ما يمكن أن يشجع المواطنين على الاستيراد عوض التفكير في التهريب”.
وسبق أن تمكنت دورية تابعة لمركز الحرس التونسي بتطاوين الشمالية (جنوب) من ضبط شاحنة محملة بكمية من المواد الغذائية المدعمة مهربة باتجاه ليبيا.
وتمكنت وحدات الحرس الديواني (الجمارك) منذ بداية شهر يناير الماضي من إحباط عمليات تهريب مواد غذائية مدعمة، تتمثل خاصة في الكسكسي والمقرونة والسميد والشربة تزن إجمالا 64081 كلغ.
وأفادت الإدارة العامة للديوانة (الجمارك)، أن الوحدة الخامسة للحرس الديواني بمدنين، حجزت 43 في المئة من هذه المواد المهربة بما يناهز 28 طنا، في حين حجزت الوحدة السادسة للحرس الديواني بصفاقس 25 طنا.
وحجزت بقية الوحدات في جهات مختلفة من البلاد كميات متمثلة في حوالي 11 طنا من المواد الغذائية.
ويرى خبراء الاقتصاد أن ظاهرة التهريب أخذت غطاء سياسيا في السنوات الأخيرة، في خطوة استغلت من خلالها شبكات التهريب مؤسسات الدولة، وسط دعوات إلى ضرورة تغيير سياسة مقاومة الظاهرة ووسائل التصدي لها.
وقال الخبير الجبائي إسكندر السلامي “المهربون تسللوا إلى مفاصل الدولة وأصبح لديهم غطاء سياسي في فترة ما، وباتت شبكات التهريب تستغل الدولة، كما أن الدولة لم تتطور في الوسائل والكفاءات البشرية في السنوات العشر الأخيرة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “بداية مقاومة التهريب تبدأ بتغييرات صلب الدولة، وهي لم تنجز دراسات ولم تقدم إحصائيات رسمية بخصوص هذه الظاهرة، لكن هناك تطور في نشاط الجمارك بعد التغييرات التي طرأت على أجهزة وزارة الداخلية، ولاحظنا أن حجم إحباط العمليات والمواد المهربة يتطور”.
وأردف السلامي “التهريب ظاهرة عالمية، ولاحظنا استغلال منظومة الدعم من قبل بعض الصناعيين في تونس وهذا يشكل خللا كبيرا في الرقابة، ويتطلب إعداد خطة متطورة تتوفر على الوسائل اللازمة، فضلا عن إعادة النظر في القوانين باعتبار أن القضاء لم يكن فاعلا في مقاومة التهريب، ولدينا أجهزة ما زالت لم تستعد نجاعتها، كذلك الإدارة تنقصها الشفافية والنزاهة وهذا يتطلب إصلاحا عميقا”.
وأشار السلامي إلى أن “هناك اختلال في التهرب الضريبي وهناك تمييز عبر إفلات المؤسسات الكبرى من ذلك”.
وفي وقت سابق تمكن أفراد الدرك الجزائري بالعوينات على الحدود التونسية، من إيقاف شخصين بتهمة المضاربة وتهريب مواد غذائية مدعمة.
وحجز الجهاز الأمني في العملية 1100 وحدة من زيت المائدة من سعة 5 لتر بمجموع 5500 لتر، والشاحنة المستعملة في نقل البضاعة، وتم تحويل الموقوفين إلى القضاء.
وتشهد مادة زيت المائدة بعض الندرة في السوق الجزائرية، وقبل أسبوع أعلن مجمع “سيفيتال” أكبر منتج للزيت في البلاد، أنه يزود الأسواق بصفة عادية، نافيا وجود قلة في منتوجاته.
وغذت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في تونس تنامي التهريب حيث عمق غلاء المعيشة والفقر إقبال الناس على السوق الموازية، بينما كشفت حالة التشعب السياسي عن ارتباط سياسيين وأصحاب نفوذ بشبكات تهريب، ما منح المهربين حاضنة سياسية تحمي مصالحهم.
ورغم عدم ملاءمتها لشروط الصحة والسلامة تجد السلع المهربة أرضية خصبة للانتعاش داخل المناطق الحدودية وحتى في بعض الولايات (المحافظات) المجاورة نظرا إلى انخفاض أسعارها مقارنة بالسلع في السوق الرسمية.
وتعدّ السجائر من أكثر السلع المهربة في تونس ففي الثمانية أشهر الأولى من سنة 2019 قدرت قيمة المحجوزات من السجائر 18 مليون دينار، ويعد تهريب السجائر 40 في المئة من المعاملات التجارية في إطار التجارة الموازية.
وأبرز تقرير التفقد النهائي لهيئة الرقابة العامة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية حول التصرف في الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد الصادر في يونيو 2020 أن تهريب السجائر انعكس سلبا على الوكالة الوطنية للتبغ وأدى إلى خسائر مادية كبيرة.
وتعد حركة تجارة المخدرات من أكبر الأسواق السوداء في تونس، حيث تتعدد عمليات تهريبها ويلجأ المهربون إلى المطارات وإلى المناطق الحدودية غير مبالين بخطورتها.
بقلم: خالد هدوي
صحيفة العرب