أعاد تصريح وزير المجاهدين (قدماء المحاربين) في الجزائر، العيد ربيعة، عن “اكتشاف آبار في 12 ولاية (محافظة) مُمتلئة برفات آلاف الشهداء”، ملف المفقودين إبان الثورة التحريرية (1954-1962)، إلى الواجهة، وكشف الغطاء عن جريمة بشعة تدرس الجزائر إدراجها ضمن ملفات الذاكرة المُتفاوض عليها مع الطرف الفرنسي.
وقال ربيقة، للإذاعة الحكومية، بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8 مايو 1945 التي ارتكبتها فرنسا في الجزائر، إنّه “تمَّ العثور على ما بين 10 إلى 400 رفات شهيد مفقود في كل بئر إلى ثلاث آبار بـ12 ولاية”، وذلك للتستر على الفعل المرتكب، إذ أدرجها المسؤول الجزائري ضمن “المُمارسات الإجرامية في حَقّ الشعب الجزائري”.
إصرار وترصد
وعن هذا الملف المُؤلم، يقُول البروفيسور مصطفى عبيد، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بـ”جامعة المسيلة” بالجزائر، إنّ “جرائم فرنسا في مجال التقتيل العمدي مع سبق الإصرار والترصد كثيرة جدا منذ أن استعمرت الجزائر سنة 1830، فالإدارة الفرنسية لم يهدأ لها بال بالجزائر أبداً، لذا لم تتوقف عن نشر الرعب والتخويف في أوساط الجزائريين بقوة الحديد والنار، وبالتنكيل وتفتيت المجتمع، ولذا كانت تتعامل مع أبسط المخالفات بعقاب شديد يصل إلى إبادة القبيلة كلها”.
ويُقدم الباحث الجزائري في حديث مع “العربية.نت”، مثالا على ما حدث مع قبيلة العوفية بالحراش بضواحي مدينة الجزائر بداية الاحتلال في مطلع أبريل 1832، “بل وتعدى ذلك إلى إبادة العرش كله مثلما حدث مع أولاد رياح حين أبادتهم إدارة الاحتلال مع سبق الإصرار والترصد من كبار قادتها، وعلى رأسهم الحاكم العام للجزائر بيليسييه في يونيو 1845، حيث أغلق عليهم الكهف وأشعل فيهم النار فماتوا صبرا بالاختناق”.
ووفق مصطفى عبيد، فإنّ إدارة الاحتلال بمختلف أجهزتها الرسمية المدنية (الوالي، رئيس الدائرة، ورئيس البلدية) والعسكرية (الحاكم العام، وجنرالات فرنسا، والدراك، وقوات الأمن..) كانت تختطف هؤلاء النشطين وتقتلهم شر قتلة، وهم حالياً في عداد المفقودين، وبالتالي دون قبور معروفة.
2200 مفقود.. وربما أكثر
ويرصد في السياق أنّه “لا تخل منطقة من مناطق الوطن من هؤلاء المفقودين الذين نجهل قبورهم، والذي تشير بعض الأرقام إلى أن عددهم حوالي 2200 مفقود خلال الثورة التحريرية. ولو أننا نرى أن هذا الرقم هو جريمة حقيقية مكتملة الأركان تعاقب عليها كل القوانين الشرعية والوضعية.. وهو رقم كاف لتجريم فرنسا ومطالبتها بالاعتراف بجرائمها والعمل على التعويض”.
كما يشير مصطفى عبيد إلى أنّه “يمكن جمع أهم طرق التقتيل التي تنتهي إلى بقاء الشهيد مفقود القبر –حسب بعض الدراسات الأكاديمية العلمية الموثقة- في الرمي في البئر، مثلما حدث مع مجزرة سفيزف بسيدي بلعباس، غرب الجزائر والتي شهدت استشهاد حوالي 130 مواطنا أعزل. ومن أهم نتائجه أن زالت من الحياة عائلتان اثنتان وهما عائلة اسماعيلي 30 شخصا وعائلة بن عيسى 14 شخصا”.
إضافة إلى “طرق مثل الرمي إلى الكلاب، والحرق بعد التعذيب الشديد الذي شمل حتى فقع العينين، والاقتياد إلى مكان مجهول والرمي بالرصاص، الرمي من السماء بالطائرة”.
مقبرة جماعية
وأضاف أنه “من بين الشهداء الذين مسهم هذا التقتيل الشنيع والذين لا تٌعرف قبورهم لحد الساعة، نذكر مثلا، إبراهيم زدور الذي فقد مطلع الثورة خلال بداية نوفمبر 1954، وشهداء سنة 1957 لا سيما عبد القادر بلعربي خلال يناير 1957، الشيخ العربي التبسي خلال إبريل 1957، حمو بو تليليس”.
كما يستدل متحدث “العربية.نت” بالمقبرة الجماعية المكتشفة في 20 مارس 2001 بالشريعة ولاية تبسة بشرق الجزائر والتي تعود إلى الثورة التحريرية، و”قد ضمت حوالي 650 شهيدا، وقد كانت جثثهم من بين المفقودين والشهداء بدون قبور”.
العربية نت
