تتجه الجزائر، نحو تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، بقرار صادر عن الرئيس عبد المجيد تبون.
وجاء في بيان صادر عن اجتماع لمجلس الوزراء عقد في 19 يونيو/حزيران الماضي، أن تبون “أمر باعتماد اللغة الإنجليزية بدءا من الطور الابتدائي وذلك بعد دراسة عميقة للخبراء والمختصين”.
ويعد ذلك أقوى قرار سياسي لصالح اللغة الإنجليزية منذ استقلال البلاد سنة 1962.
وفهمت الخطوة على أنها بداية تراجع نفوذ اللغة الفرنسية التي تدرس في المرحلة الابتدائية منذ عقود عدة.
وكشف تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية عام 2022، أن حوالي 15 مليون جزائري (من بين 45 مليونا) أي ما يمثل ثلث الشعب يتحدثون اللغة الفرنسية.
ويبدأ تعليم الإنجليزية في الجزائر حاليا، من المرحلة المتوسطة (الإعدادية)، ولم يحسم بيان الرئاسة الجزائرية، موعد الشروع في دخول القرار الجديد حيز التنفيذ.
الفرنسية محاصرة
التمكين للغة الإنجليزية في الجزائر ليس بالأمر الجديد على النقاش العام، إذ تطالب عديد النخب منذ قرابة 4 عقود بتعميم تدريسها في الأطوار التعليمية الأربعة (الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والجامعي).
ويأخذ الجدل حول اللغة في الجزائر بعدا إيديولوجيا في كل مرة، حيث عاشت البلاد على وقع صراع صنفين من النخب، أنصار العربية والمدافعين عن الفرنسية، منذ عام 1975، تاريخ إقرار التعريب ( تعميم التعليم باللغة العربية).
وأخذت الإنجليزية أفضل موقع لها مع بداية 2019، حيث اعتمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قرارا يقضي بقبولها كلغة بحث علمي ومناقشة مذكرات التخرج بمبرر “أنها اللغة الأولى عالميا الحملة للعلوم والمعارف”.
وبعيدا عن الإنجليزية، أقرت عديد الوزارات قبل أشهر تعليمات تكرس استعمال اللغة العربية “حصرا” في المعاملات وأداء المهام اليومية.
واعتبر مراقبون، أن العصر الذهبي للفرنسية كلغة تواصل وإدارة في الجزائر بدأ بالتراجع، خاصة مع الاهتمام العام بالإنجليزية على الصعيدين الشعبي والمؤسساتي.
ولوحظ في الدورة الـ 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط (جرت بين 25 يونيو الماضي و6 يوليو/ تموز الجاري) غياب كلي للغة الفرنسية في اللوحات الإشهارية والاعلانات تاركة مكانها للإنجليزية.
وكتب مغردون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي “بأن اللغة الفرنسية لم تعد صالحة للتواصل حتى مع الدول المطلة على المتوسط”.
ومطلع مايو/أيار الماضي، اختتمت السفارة الأمريكية في الجزائر مشروع تعليم اللغة الإنجليزية لفائدة مسؤولين حكوميين جزائريين يسمى “لينك 2”.
وجاء في بيان للسفارة الأمريكية، أن المشروع “قدم دورات في اللغة الإنجليزية المهنية لمدة خمسة أشهر لـ 120 مسؤولًا حكوميًا جزائريًا من 13 وزارة بالشراكة مع مدرسة بيرلتز للغات من نوفمبر 2021 إلى مايو 2022”.
ويعد المشروع التدريبي هو الأضخم على الإطلاق لصالح الموظفين والإطارات في الدوائر الوزارية التي كرست استعمال الفرنسية عقود.
مطلب قديم
وفي السياق قال رئيس الإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين (نقابة مستقلة) الصادق دزيري للأناضول، إن قرار تعليم الإنجليزية في المرحلة الابتدائية “جاء متأخرا وهو مطلب قديم”.
وأضاف:” قرار رئيس الجمهورية خلال مجلس الوزراء نثمنه ونزكيه ولكن جاء متأخرا”.
وأردف دزيري: “محاولة تدريس الإنجليزية في الطور الأول خضناها بداية التسعينيات وبالضبط بين عامي 1991 و1996″، موضحا أن التجربة “أجهضت من طرف المفرنسين (داعمي اللغة الفرنسية) المتحكمين في دواليب الأمور”.
وتابع: “التجربة أجهضت بيداغوجيا أيضا، حيث قدمت امتحانات صعبة للغاية لكي يخفق التلاميذ ويتحرك أوليائهم ضدها”.
ولفت دزيري، إلى أن ما صدر في مجلس الوزراء “قرار هام ربط التنفيذ بالأخذ بآراء الخبراء والمختصين ما يعني أنه لم يحدد أجلا زمنيا واضحا لبداية تدريس الإنجليزية”.
تراجع ومقاومة
ورغم أن القرار اتخذ من قبل أعلى سلطة في البلاد، إلا أن الأصوات المعارضة لتحجيم الفرنسية لم تلتزم الصمت.
حيث حذر المكتب السياسي لحزب العمال (يساري معارض) في بيان “من المساس بالفرنسية، باعتبارها غنيمة حرب”، واصفا تعليم الإنجليزية في الابتدائي “بالعشوائية”.
وأوضح المحامي والمحلل السياسي عمار خبابة للأناضول، أن “الربط التلقائي بين قرار الرئيس تبون، وبين تراجع الفرنسين أمر متوقع لأنه قرار سياسي وليس بيداغوجي فقط”.
وتشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية، مستويات متذبذبة بين التهدئة والتوتر، بسبب طبيعة العلاقات المتشابكة خاصة ما تعلق بملفات الذاكرة، والأرشيف الجزائري والتجارب النووية وحساسية الجزائر من التدخل في شؤونها الداخلية.
وفي 2 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، استدعت الجزائر سفيرها لدى باريس، للتشاور احتجاجا على تصريحات لماكرون شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962) واتهم النظام السياسي القائم بأنه يستقوي بريع الذاكرة.
وقال خبابة، إن مستقبل الفرنسية في الجزائر “لا تحسمه الجوانب التعليمية للغات فمنذ 1976، والمدارس والجامعات الجزائرية تدرس بالعربية في جميع التخصصات، لكن الفرنسية ظلت قوية بفعل الإدارة الصماء”.
وأضاف أن ما وصفها “بالإدارات الحساسة في البلاد كالضرائب والمالية تعتمد على الفرنسية في كافة معاملاتها، حتى أنها تخاطب أبسط المواطنين بهذه اللغة”.
واعتبر خبابة، أن المدافعين على الفرنسية ” ليس لديهم مبرر مقنع، إذ يقولون أنها غنيمة حرب وأننا نتعامل بها منذ زمن، ولكن الفرنسيين أنفسهم يتعلمون بالإنجليزية ويشجعون عليها”.
ماذا بعد القرار
في المقابل، يحتاج تدريس الإنجليزية في الابتدائي إجراءات عملية وبيداغوجية.
وفي هذا الأمر قال دزيري ، إنه (القرار) يحتاج إلى عوامل نجاح أولها “توفير المنهاج ووسيلة التعلم المتمثل في الكتاب المدرسي”.
ووفق مصادر، الأناضول، فقد شرعت وزارة التربية الجزائرية في إعداد منهاج تعليم اللغة الإنجليزية.
وأشار دزيري، إلى أن نقاش الخبراء “سينصب حول كيفية تدريس هذه اللغة مع الفرنسية أو إلى جانبها؟ وهل ستكون بالاختيار (أولياء التلاميذ) أم بالمفاضلة ونحن طبعا نفضل الإنجليزية”.
وأوضح أن نقاش المختصين لهذه الجوانب، مرده إلى ” عدم إمكانية تدريس التلميذ لغتين أجنبيتين إلى جانب اللغة الأم في السنوات الأولى لدخوله المدرسة (بعمر 8 سنوات)”.
وحذر دزيري، من أن الخلط بين الإنجليزية والفرنسية ” قد ينتج تيارين لغويين ونعود إلى الصراع الذي نشأ قديما بين المعربين والمفرنسين”.
في المقابل، أشار دزيري إلى أنه “في حالة الاعتماد التدريجي للغة الإنجليزية، فإن قرار الرئيس تبون يمكن تجسيده بدءا من الدخول المدرسي المقبل (سبتمبر/أيلول القادم).
من جهته قال المؤرخ عامر رخيلة للأناضول، إن “الفرنسية أحب من أحب وكره من كره لها وجود قوي في الجزائر كرصيد ثقافي ولغوي واجتماعي وارتباطات مع فرنسا التي بها قرابة 6 ملايين مهاجر جزائري”.
وأضاف رخيلة: “أنا من أنصار تعميم الإنجليزية كلغة عالمية في كل المجالات، ولكن لا يمكن المزايدة بالقول إن الإنجليزية تحل محل الفرنسية”.
واعتبر أن “هذا الأمر ما زال بعيدا لأن أهل التعليم أيضا يؤكدون أن ذلك غير ممكن وهذا لا يستقيم مع الواقع الجزائري الراهن”.
وأردف رخيلة: “منذ الاستقلال عام 1962 (بعد استعمار فرنسي دام 132 عاما) والمسألة اللغوية مطروحة وبين السبعينيات والتسعينيات كان الطرح المتعلق بالحد من نفوذ الفرنسية ظرفيا ومرتبطا بوقوع توترات في العلاقات مع فرنسا وليس مبنيا على عمل علمي أو أكاديمي”.
الأناضول