توحّش فيروس كورونا في تونس في موجهته الثالثة ليفترس يوميا ما معدله مائة مواطن كما يصيب ما يفوق الألف يوميا بشكل يكاد ينذر بتهالك المنظومة الصحية رغم كل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة والتي لا تقدر مهما فعلت على توفير أسباب العلاج لكل المرضى خاصة أن تواصل انتشار الفيروس بهذا الشكل المفزع بعد أن فتح له إلياس الفخفاخ الباب ليستوطن في تونس باجراءاته المتخذة يوم 14 جوان 2020 وفتح الحدود على مصراعيها نزولا عند رغبة لوبيات السياحة، فحل الوباء ببلادنا وغاب السياح ثم زاد بعد أن تأكد من حيله إثر اكتشاف اختلاساته وسرقاته وتلاعبه بمصلحة البلاد صحبة التيار الديمقراطي وحركة الشعب ومن ورائهم رئيس الجمهورية الذي عطل قدوم التلاقيح بداعي أنه المسؤول الأول عن الديبلوماسية فلا هو جلب التلاقيح ولا هو ترك الحكومة تعمل على جلبها إلى أن “نطق” وزير الخارجية عثمان الجرندي “من أجنابه” وتحدث عن العبث الكبير في الديبلوماسية التونسية ليصل الحال ببلادنا إلى استجداء الأوكسيجين من مصر .. نعم من مصر التي فتك الفيروس بمواطنيها وسط تعتيم مطلق من نظام دموي لم يكترث للفيديوهات التي تصور موت المصريين اختناقا جراء انقطاع الأوكسيجين عن مستشفياتها ليصدره لنا في “علب كرتونية” وهذه من غرائب عصر قيس سعيد الذي لم يشر إلى الأوكسيجين القادم إلينا من الشقيقة الجزائر بكميات كبيرة وطبل وهلل لـ”اوكسيجين” قادم في “كراذن” لا يصدقها حتى المجانين.
بسبب عبث الفخفاخ وجماعة “القوية العادلة” بصحة التونسيين وتعطيلهم لأجهزة الدولة عن العمل في هذا الظرف العصيب وحديثهم عن ضرورة ترؤس قيس سعيد لكل القوات الحاملة للسلاح وقد يتحدث عن الأطفال ومسدسات العيد و الفوشيك وحرس الغابات والـ”سوجيغارد” لم تتوفر الحكومة الأسباب الكافية لتعمل بنجاعة لتوفير الأوكسيجين وهو ما فتح الباب أمام “المضاربين” ليعملوا مخالبهم في أجساد التونسيين المنهكة ليتجاروا بأجهزة الأوكسيجين التي تضاعفت أسعارها إلى أكثر من ثلاث مرات، رغم تحديد أسعارها من طرف وزارة الصحة وسائر السلط المعنية وها أن الفايسبوك صار يعج بصفحات هي أشبه بسوق لبيع هذه الأجهزة دون مراقبة أو متابعة مستغلين حاجة المواطن لها وارتباك الحكومة في هذا الوضع الصعب
حتى وصل سعر تلك الأجهزة إلى 700 دينار و إلى ألف دينار في الجهات التي انتشر بها الفيروس أكثر من غيرها ولا توجد بها مؤسسات صحية سواء عمومية أو خاصة بالعدد الكافي.
يحدث كل ذلك رغم أن في تونس شركتان لصناعة الأوكسيجين الطبي الأولى فرنسية هي “تونس ار ليكيد” والثانية هي ألمانية وهي “ليند غاز” وتوفر الشركتان ما يقارب عن 100 ألف لتر من الأكسجين في حين تحتاج المستشفيات العامة والخاصة في هذه الفترة الى 170 ألف لتر يوميا لتستجيب لحاجيات المرضى وهذا الرقم مرجح إلى الارتفاع إن فشلت لا قدر الله جهود الحكومة واجراءاتها في التصدي للجائحة والحد من انتشارها ولئن وجدت الحكومة في الشقيقة الجزائر خير معين في هذه الفترة لتوفر الكميات الناقصة من الأوكسيجين، فإنه كان من الضروري دفع الشركة الفرنسية تونس ار ليكيد إلى الترفيع في انتاجها والحد من تصديرها للأوكسيجين إلى فرنسا لأن هذه الشركة هي فرع للشركة الأم الموجودة في فرنسا أما الشركة الألمانية فإنها تعتبر أقل حجما من نظيرتها الفرنسية كما أنها لم تنتصب ببلادنا إلا سنة 2010 في حين توجد آر ليكيد ببلادنا منذ فترة الاستعمار
وتحديد منذ سنة 1917 واحتكرت إنتاج تونسي الأكسجين بتونس عبر مواقع انتاجها في منطقة جبل الجلود وفي صفاقس وبن عروس وبرج السدرية والشرقية ومنعت أي شركة أجنبية أخرى من العمل بتونس ولولا الضغوط الألمانية لما انتصبت شركة “ليند غاز” ببلادنا بل أنها لا تعمل في تونس إلا بشروط فرنسية حول كمية الانتاج والأسواق التي تصدر لها.
لقد كان بالإمكان منذ أن بدأت بوادر انتشار الموجة الثانية بتونس أن الفيروس سيتمدد ببلادنا وأن الموجة الثالثة على الأبواب والخوف الآن كبير من انتشار موجة رابعة خاصة في ظل تحور السلالات وعجز الحكومة عن فرض الحجر الصحي الشامل لاعتبارات اقتصادية واجتماعية وعدم قدرة خزينتها على التعويض للمتضررين من الحجر إن تم تطبيقه بصرامة .. إذا لقد كان بالإمكان دفع الشركة الفرنسية إلى تكثيف انتاجها منذ الصيف الماضي وتكوين احتياطي مهم من الأوكسيجين لكن من يقدر من مسؤولينا أن يجبر شركة فرنسية على احترام الأراضي التي تحتضنها والتي وفرت لها ظروف العمل براحة لتحقق الأرباح وتكدسها على حساب التونسيين ومصلحتهم بل حتى وصحتهم فتعطي ار ليكيد الأولوية لفرنسا لتصدر لها كميات هائلة من الأوكسيجين ولا يهم حتى وإن مات التونسيون اختناقا المهم أن يعيش الفرنسيون خاصة أن “صبايحيتهم” في تونس مستعدون لبذل النفس والنفيس في سبيل “العكري” ولا يهم إن ماتت فيهم النخوة فهم يعلمون أن “العكري” ستعالجهم إن مرضوا فقط عليهم الدفاع بقوة عن مصالحها وأن يمنحوا الحصانة المطلوبة لشركاتها لتنهب خيرات البلاد وحتى أوكسيجينها.
وكالات