من السياسة مروراً بالاقتصاد والثقافة، وصولاً إلى كرة القدم، تسير العلاقات الجزائرية-الفرنسية دائماً عبر خطوط النار، و”لعنة التاريخ” الذي لا يُمحى. وبين ما صنعه الاستعمار من جرائم عصية على النسيان بالنسبة للجزائريين، ومطالبتهم بالتعويض المادي والمعنوي عن 130 عاماً من الاحتلال الاستيطاني، والاعتراف و”طلب الصفح” عن تاريخ أسود من قبل الفرنسيين، تأتي كرة القدم اليوم لتعيد الذاكرة مجدداً إلى نقطة الصفر، وتحديداً بعد تصريحات مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي، الذي عبّر عن فخره بما ينسجم مع “الخطاب النضالي الجزائري”، وكأنه “نصرٌ مؤزر”، بانضمام مجموعة من اللاعبين إلى صفوفه ورفضهم تمثيل فرنسا، في مؤتمر صحافي على هامش معسكر “الخُضر”، يوم الأحد الماضي، إذ قال إن “هؤلاء رفضوا نداء فرنسا من أجل الجزائر”.
لم يكتفِ بلماضي، بهذا التصريح الناري، بل ذكر أن هذه الخطوة الجريئة من قبل اللاعبين تتقاطع مع حادثة لاعبي منتخب جبهة التحرير، سنة 1958، قائلاً: “هذا لم يحدث منذ عهد لاعبي جبهة التحرير الوطني الذين فرّوا من أنديتهم الفرنسية بعد نداء قيادة الثورة الجزائرية”.
منتخب إفريقيا
فازت فرنسا بكأسها العالمية الأولى، في الثاني عشر من تموز/ يوليو 1998، إثر فوزها على البرازيل في المباراة النهائية على ستاد فرنسا الدولي، وكان الفضل الأكبر لأسطورتها الأبرز زين الدين زيدان، ذي الأصول الجزائرية، والذي تمكن من تسجيل هدفين في النهائي الشهير.
ولا تتمثل مشكلة فرنسا كروياً في هؤلاء اللاعبين فقط، الذين تخلّوا عن قميص منتخبها لصالح الجزائر اليوم، فلطالما طاردتها دائماً تسمية “منتخب إفريقيا”، لكثرة اللاعبين مزدوجي الهوية من ذوي البشرة السمراء في منتخبها، وقلة عناصر المنتخب ذات الأصول الفرنسية، وهم بغالبيتهم من أبناء المهاجرين الأفارقة التي هجروا قسراً بلادهم إلى فرنسا جراء الممارسات الاستعمارية الفرنسية في غالبية البلدان الإفريقية، وتحديداً بعد فوزها الثاني بكأس العالم في روسيا 2018، إذ صرّح بعده المذيع تريفور نوح، في برنامجه The Daily Show قائلاً: “لقد فازت إفريقيا بكأس العالم”.
أبرزهم حسام عوار
من أبرز الأسماء التي رفضت تمثيل فرنسا مفضلةً الالتحاق بمعسكر “محاربي الصحراء”، هم لاعب الوسط حسام عوار، الذي يلعب لنادي أولمبيك ليون، في دور الدرجة الأولى، والذي ناله القسط الأكبر من الانتقادات الفرنسية اللاذعة، بعدما صرّح برغبته في اللعب للمنتخب الجزائري وتغيير “جنسيته الرياضية”، وعمله على تقديم الأفضل مع الخضر مبدياً ندمه على تمثيل فرنسا في السابق، وكلّ من جوان حجام وبدر الدين بوعناني وفارس شعيبي، الذين يلعبون في كلٍّ من نانت ونيس وتولوز، والذين رفضوا بدورهم تمثيل المنتخب الأولمبي الفرنسي، وأيضاً لريان نوري، لاعب نادي ولفرهامبتون الإنكليزي الذي ينشط في الدوري الإنكليزي الممتاز.
وقال بلماضي، في المؤتمر سابق الذكر في التاسع عشر من آذار/ مارس الحالي، إنه تم التواصل معهم سابقاً، وإن “المفاوضات مع حسام عوار وآيت نوري دامت أربع سنوات”، مؤكداً أن “ملف مزدوجي الجنسية ما زال طويلاً، فمثلاً المحادثات مع حجام وبوعناني كانت سهلةً وسريعةً بعكس المفاوضات مع عوار وآيت نوري. أنا من تحدثت معهم، وشرحت لهم الأهداف والطموحات، ثم تكفّل اتحاد الكرة بالأمور الإدارية”. وأكد أن أحدهم (لم يذكر اسمه)، تمت دعوته مرتين إلى المنتخب الفرنسي ورفض الدعوة “مفضّلاً الانضمام إلينا”، وأن أحدهم تعرّض لمشكلات بسبب “غضب ناديه من قراره، لأنه اختار الجزائر. أخبرته بألا يقلق وأن يبقى هادئاً”.
وكالات